حوار مع الكاتب محمود شقير المرشح فى القائمة القصيرة

25/03/2016

محمود شقير

أين كنت عند الاعلان عن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية؟ وماذا كان رد فعلك؟

 

كنت في البيت أدقق نصًّا كتبته من قبل. وكنت أنتظر الإعلان عن القائمة القصيرة، وحين قرأت الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي، فرحت. كانت فرحتي أكبر ممّا حدث حين تم الإعلان عن القائمة الطويلة. بعد ذلك، هاتفني عدد من الأصدقاء وباركوا لي بوصول "مديح لنساء العائلة" إلى القائمة القصيرة، ثم انهالت التبريكات والتمنيات على الفيسبوك. وكان هذا مدعاة لمزيد من الفرح.

 

ماذا يعنى لك ترشيح روايتك فى القائمة القصيرة للجائزة؟

 

هذا يعني أن أواصل الكتابة بحماسة أشد، بحيث تكون روايتي القادمة، التي أضع خطوطها الرئيسة وبعض ملامح شخصياتها منذ أشهر، في مستوى فني أكثر تميزًا وجدارة.

 

هل لديك طقوس للكتابة؟

 

قبل الكتابة على الحاسوب، كنت أكتب بقلم الحبر على ورق مسطّر، في فترة الصباح حينًا وفي الليل في أغلب الأحيان. وكنت لدى كتابة المسلسلات للتلفاز أكتب بقلم الرصاص لكي أمحو ما لا يعجبني من كلام، وكيلا أضطر إلى كتابة مسودات وتبييض ما كتبته بعد ذلك، ما يعني صرف مزيد من الوقت.

 

حينما أتقنت الكتابة على الحاسوب، وكان ذلك في العام 1998 وقع تطور ملموس في عدد الكتب التي أصدرتها للكبار وللصغار. فقد مكّنني الحاسوب من توفير وقت كثير، وحفزني على الكتابة من دون انقطاع. كنت وما زلت أكتب في الصباح، حيث أبدأ الكتابة في التاسعة أو في العاشرة صباحًا، وفي أحيان كثيرة أواصل الكتابة في الليل.

 

قبل كتابة صفحات جديدة، أقوم بمراجعة ما كتبته في اليوم السابق، للتعديل بالحذف أو بالإضافة، ولاستدراج الكتابة وللدخول إلى عالمها من دون استعصاء.

 

أنا متفرّغ للكتابة منذ أن غادرت الوظيفة قبل إحدى عشرة سنة. أكتب كل يوم تقريبًا. هذا الطقس المتمثل في تحويل الكتابة إلى عادة يومية، يكسبني قدرة على ممارسة الكتابة في أيّ وقت.

 

لماذا تكتب؟ ولمن؟

 

أكتب لكي أهبَ معنى لحياتي. من دون الكتابة لا أستطيع أن أواصل الحياة. وقد قلت ذات مرة في إحدى الندوات: الكتابة هي الرئة التي أتنفّس من خلالها. وأكتب لنفسي في الأساس، بحثًا عن التوازن. فأنا إنسان قلق يستفزّني أيّ خلل في الواقع المحيط بي، ويزعجني أيّ تطاول على القيم الإنسانية التي أعتبر احترامها والحفاظ عليها ضروريًّا لكي تستقيم الحياة، حياتي وحيوات غيري من الناس. أحاول عبر الكتابة أن أسلّط سهام النقد على ما في الواقع من خلل لفضحه وتعريته، وللدفاع عن القيم النبيلة وعن كرامتي وكرامة غيري من أبناء وطني، ومن بني البشر الطامحين إلى الحرية والعدل والطمأنينة والسلام.

 

أكتب لعلّ كتابتي تسهم في أن تكون الحياة أجمل وأرقى وأبهى.

 

من هم الكتاب الذين أثروا فيك كروائى؟

 

جئت إلى الرواية بعد أن أصدرت عشر مجموعات قصصية. هذا يعني أنني أمضيت وقتًا غير قصير في رحاب القصة. وقد تأثرت منذ البداية بأدباء كتبوا القصة والرواية في وقت واحد. أشير هنا إلى نجيب محفوظ ويوسف إدريس، وإلى إرنست هيمنغواي وجون شتاينبك، حتى إنني ترجمت قصصًا لهذين الكاتبين الأخيرين.

 

وفي ما بعد انصرف اهتمامي إلى ما وقع تحت يدي من روايات يابانية مترجمة، وبخاصة لياسوناري كواباتا، كوبو آبي، وهاروكي موراكامي، وإلى ما وصلنا من روايات أمريكية لاتينية مترجمة، وبخاصة لغارسيا ماركيز، ماريو فارغاس يوسا، وإيزابيل ألليندي.

 

 من حصيلة هذه القراءات، وعبر بحثي الدؤوب عن صوتي الخاص، تشكلت ملامح أسلوبي في الكتابة التي تمثلت في: رصد الحركة الداخلية للواقع الذي أعيش في ظله ومحاولة التأثير في اتجاه حركته بما يسهم في نصرة الفقراء والمهمّشين والمظلومين، الكتابة بالأسلوب السهل الممتنع والابتعاد عن الزخرفة اللغوية والبلاغة  الزائدة، الميل إلى خاصيّة الحذف والاقتصاد في السرد قدر الإمكان، الانتباه إلى ضرورة توفير متعة القراءة للمتلقي عبر السخرية وخلق شخصيات فنية لديها سمات خاصة قادرة على جذب الانتباه، استنطاق البيئة المحلية التي أعايشها، واستثمار ما في تراثها من سحر وميثولوجيا وغرائبية وحكايات، وتوظيف ذلك كله في نصوصي الروائية.

 

فى رواية "مديح لنساء العائلة" لماذا اخترت توظيف وسائل متنوعة للسرد مثل الرسائل والاحلام بالاضافة الى تعدّد الرواة؟

 

كما هو واضح، تنعقد البطولة في هذه الرواية، للعائلة الممتدة، عائلة العبد اللات المتحدرة من عشيرة بالاسم نفسه، عاشت في البرّيّة على رعي الأغنام، ثم ارتحلت إلى أرض لها واقعة على مشارف القدس. ورغم أن الرواية تسلط الضوء على بعض الشخوص، بحيث كانوا هم الأبرز أثناء سرد المسيرة الطويلة للعائلة، فقد ظلت العائلة نفسها، هي الواقعة أساسًا في بؤرة السرد، بحيث تتأثر سلبًا وإيجابًا بسلوك أبنائها وبناتها، وبما استجدّ عليها من أحوال وظروف.

 

لذلك، لم تبق هذه العائلة على حالها بسبب فعل الزمن فيها، وبسبب التطورات التي وقعت في المجتمع وتركت أثرها عليها وعلى الأبناء والبنات. من هنا، وللإحاطة بهذه التطورات والتقلبات التي خضع لها شخوص الرواية، كان لا بد من التنويع في أساليب السرد انطلاقًا من اختلاف وعي الشخصيات واختلاف الأمكنة، بما يسهم في رصد جوانب جديدة في التحربة المعاصرة للشعب الفلسطيني، تمثلت في وضع شريحة اجتماعية من هذا الشعب تحت الضوء، من خلال اصطدامها مع الغزوة الصهيونية والانتداب البريطاني، ومن خلال وضع قيمها ومعتقداتها وثقافتها الشعبية على المحك في فترة زمنية عاصفة.

 

ولقد كان تعدّد الأصوات في الرواية منسجمًا مع هذا التوجه لرصد تيار عريض من الحياة والواقع، وتعبيرًا عن النزعة الفردية الي نتجت عن شتات العائلة، وعن متطلبات التطور الاجتماعي التي قلّصت فرص الانصياع لرغبات شيخ  العائلة ومواقفه كما كانت الحال في السابق، حين كانت العائلة تعيش حياة بسيطة في البرية، بعيدًا من تأثيرات العصر والزمن الجديد. 

 

الرواية لا تقتصر على وصف أحوال المرأة الفلسطينية إنما تتطرق إلى وصف أحوال الرجال أيضاً. لماذا إذن اخترت هذا العنوان؟

 

صحيح أن ثمة وصفًا لأحوال الرجال إلى جانب وصف أحوال المرأة الفلسطينية، إلا أن تخصيص العنوان للنساء إنما يعكس تحيّز محمد الأصغر، وهو الراوي الرئيس في الرواية لهن، ورغبته في الدفاع عنهن ومناصرتهن في ظل مجتمع ذكوري لا ينصفهن ولا يتورّع عن إلحاق الأذى بهن، ومصادرة حقّهن في التعبير عن أنفسهن. ثم إن العنوان مشتق من جملة لمحمد الأصغر وردت في متن الرواية مفادها أن نساء العائلة جديرات بالمدح. وهو، أي العنوان، نابع من قناعة وردت على لسان محمد الأصغر تجعل تحرير الأرض غير ممكن في مجتمع يظلم المرأة، وينكر عليها حقها في الكرامة والمساواة مع الرجل سواء بسواء.

 

وإن شئت مزيدًا من الإيضاح، فهو يعكس تواطؤًا بين المؤلف والراوي الرئيس على الإعلاء من شأن النساء بتخصيص عنوان الرواية لهن، تعبيرًا عن احترامهن وتقديرهن وعن التعاطف معهن.