حوار مع إنعام بيوض المرشحة للقائمة الطويلة
17/02/2025

متى بدأت كتابة رواية "هوّارية" ومن أين جاءك الإلهام لها؟
شرعت في كتابة رواية هوارية، حين أدركت أنّ ما عاشته الجزائر خلال العشرية السوداء وما عشته شخصياً مع عائلتي ومحيطي الاجتماعي والمهني لا يزال متشبثاً بالذّاكرة. تطفر دموعي حين استرجع أشرطة لأحداث مأساوية مرّرنا بها، ويبرز التساؤل في أنه على الرغم من أنّ الآثار الدموية والإجرامية لتلك الحقبة قد انتهت تماماً، وحل الأمان في جل ربوع الوطن، إلاّ أنّ مسبباتها وإرهاصات بداياتها لا تزال تلوح من حين لآخر من خلال أفكار ورؤى متطرفة، والمواقف المتخاذلة لبعض النخب التي لا تزال منفصلة عن الهموم المجتمعية.
كنت أقيم في تلك الفترة (1990 - 1999) في مدينة وهران وأدرّس التّرجمة في جامعتها. وتعرفت في تلك المدينة المضيافة على أٌناس من مختلف الطبقات الاجتماعية، تركوا في نفسي أعمق الأثر واندمجت كلياً في المجتمع الوهراني الآسر ببساطة أهله وطيبتهم الفطرية. أردت أن أفهم من خلال التوثيق الروائي: كيف يصل مجتمع بتلك الصّفات إلى تجاوز ذرى العنف؟
هل استغرقت كتابة الرواية مدّة طويلة؟ وأين كنت تقيمين عند إكمالها؟
استغرقت كتابة الرّواية حوالي ستّ سنوات، تردّدتُ خلالها كثيراً في نشرها، فقد كنت أعتبرها مناجاة شخصية لإزاحة الألم، وتبرير الجُبن، والتّكفير عن التقاعس. تراوحت أماكن الكتابة بين الجزائر وجنوب فرنسا، لكنّي أنهيتها في الجزائر.
هل لديك طقوس للكتابة؟
أمّا بخصوص طقوس الكتابة فلا أظنّ أنّ لديّ أيٌّ منها. كنت أكتب حين تسمح لي مهامي الجامعية والإدارية بذلك، وغالباً في هدأة اللّيل أو عند الفجر، طلوع الشمس أكثر إلهاماً لي من مَغيبها. وحين أنغمس في الكتابة أشعر بأنّي أعيش فعلاً، لذلك عزمت على أن أتفرغ للكتابة كلياً وأصنع طقوساً خاصةً بي .
ما هو مشروعك الأدبي بعد هذه الرواية؟
بعد هذه الرواية أودّ أن أخصّص وقتاً أكبر للرّسم وأحاول إنجاز لوحات تُكمل ما لم أستطع قوله فيها. لكن الموضوع الذي يشغلني منذ زمن هو كتابة سيرة روائية للرّسامة الجزائرية باية (1931-1998) خلال الفترة الاستعمارية (1938 - 1962). فقد كانت تربطني بها علاقة صداقة متينة دامت ما يربو عن عشرين عاماً إلى أن وافتها المنية. هذا التقارب الإنساني الخاص مع فنانة وإنسانة استثنائية جعلني أطّلع على تفاصيل مسار ثري بدأ من طفولة فتاة يتيمة تعمل في بيت معمرين أوربيين يستقبلون فيه كبار المثقفين والفنانين الفرنسيين، على غرار أندريه برتون وإمّيه ماغت وألبير كامو...، في حين كانت باية وأمثالها من أطفال الجزائر محرومين من التعليم ومن أبسط حقوقهم في حياة كريمة. ثم السياق الذي تطورت فيه موهبتها الفنية هذا السياق الذي عرفت فيه الجزائر نشأة الحركة الوطنية ومجازر 8 ماي، ونشأة الحركات الأدبية والفنية الحداثية وعلاقتها بمثيلاتها في فرنسا، ثم ثورة التحرير والاستقلال.
ما أطمح إليه ليس مجرد كتابة رواية تاريخية، بل كتابة سيرة إنسانية برؤية شاعرية تعكس الحساسية الفنية لباية.