حوار مع ريما بالي المرشحة في القائمة القصيرة
03/04/2024
- أين كنت وقت إعلان القائمة القصيرة للجائزة؟ وماذا كان رد فعلك؟
كنت وحيدة في بيتي في مدريد، أتابع حفل إعلان القائمة القصيرة الذي يبث مباشرة عبر صفحة الجائزة الفيسبوكية.
ومع أنني كنت قد حرصت على إعداد نفسي جيدًا للحظة إعلان القائمة القصيرة التي قد لا تتضمن "خاتم سُليمى"، بحيث استقبل النبأ بروح رياضية ونفسية راضية ومتفهمة، إلا أن صدى نبض قلبي المضطرب كان يتردد بصخب سمعه الجيران في الشارع المقابل. أما حين بُدأ بتلاوة الإعلان المنتظر، فقد توقف ذلك النبض تمامًا وسكتت أنفاسي، ولم أعد أسمع إلا صوت الأستاذ نبيل سليمان يُسمّي الروايات التي شكّلت اللجنة القائمة منها، الاسم الأول، والثاني والثالث، ومن ثم جاءت خاتم سليمى رابعًا، لتجعلني أقفز من مكاني صارخة عاليًا، ثم رقصت كطفلة فرحة، نعم لقد تم الأمر، أنا في القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية.
- هل تخلق الرواية من خلال قصة خاتم زوجة سليمان، أسطورة جديدة نسائية تخاطب وتسائل قصة النبي سليمان المعروفة؟
في الرواية ثمة إعادة صياغة للأسطورة لتتماشى مع رياح المحيط التي لا تجري دائمًا كما تشتهي السفن. كأن نخترع رياحًا جديدة لتسير بسفننا إلى حيث نرغب (صناعة نسخة أخرى من الخاتم). زوجة سليمان (حسب سلمى) صنعت نسخة جديدة من الخاتم والنبوءة، خاتم يخصها هي ونبوءة تؤمن أنها ستتحقق. ولما كانت ثيمة النص الرئيسة هي الحقيقة وأوجهها، والتأرجح بين الشك واليقين، فإن في هذه الأسطورة الرديفة أو المضافة إلى الأصلية، ثمة دعوة
لاكتشاف فرادتنا وقناعتنا وتقبلهما والتشبث بهما، ثمة دعوة لاختيار يقين جريء لا يخشى المساس بالمعتقدات السائدة والخروج عنها، بل يضيف إليها، يقين لا يؤرقه الشك بمدى صلاحيته وشرعيته وكماله. وثمة سؤال بقي مفتوحًا، هل يلغي اختيارنا لعقائد ومصائر جديدة تشبثنا بجذورنا وأصولنا وانتماءاتنا؟
- شمس الدين "يعرف كل شيء"، بينما لوكاس "لا يعرف شيئاً". حدثينا عن موضوع المعرفة في الرواية ودلالاتها.
ذكرت في الإجابة السابقة أن الرواية قامت على البحث عن الحقيقة والتأرجح بين الشك واليقين.
شمس الدين يعرف بحكمته أنه "لا يعرف كل شيء"، وكان متصالحًا مع هذه الفكرة التي لم تعطّله عن المضي في رحلة عمره، بل كانت "يقينه" الذي أسبغ عليه حالة السلام التي عاشها، ليختار مصيره ويعيد تشكيل تفاصيل حياته كلها (مهنته، دينه، اسمه، المدينة التي عاش فيها) وحتى التفاصيل التي تحكم جثمانه بعد وفاته، بحيث ظهر كأنه سليمان العارف بكل شيء، واستحق قلب سلمى، وخاتم المعرفة (دمجتهما في الرواية تحت رمز واحد)، أما لوكاس، فقد كان مسكونًا بهاجس أنه "لا يعرف شيئًا"، وكانت هذه الفكرة تعذّبه وتحول بينه وبين اتخاذ قرار حاسم أو القيام بالخطوات الأولى، ذاك كان "شكّه" الذي تلاعب بكل أيام حياته في مقابل "يقين" شمس الدين، وسلمى التي أحبت أن تسير على خطاه. والجدير بالذكر أنه في السياق السردي وتطور الشخصيات، وجدنا تبادل الأدوار بين شمس الدين الذي ينقلب يقينه شكًا ولوكاس الذي يتغلب على شكه ويمسك أخيرًا بطرف خيط اليقين، ليعود كل شيء إلى الانقلاب مرة أخرى في المشهد الأخير.
- الشخصيات المحورية من خلفيات وثقافات متنوعة: يهودية ومسلمة ومسيحية. هل ألهمتك بها مدينة توليدو الإسبانية، حيث كتبت الرواية؟ وهل يشغلك عموماً موضوع التعايش والتعرف على الآخر؟
توليدو الملقبة بمدينة الثقافات الثلاث Las tres culturas كانت مسرحًا مناسبًا تمامًا للموضوع الذي يشغلني دائمًا، وناقشته في كل رواياتي، وإن كان يظهر في خاتم سليمى كثيمة جانبية نوعًا ما، فهو في روايتي الأخيرة "ناي في التخت الغربي" يمثل الثيمة الرئيسة للعمل.
الهويات القاتلة (حسب أمين معلوف)، التي حسبما أجد بنظرة بانورامية، هي السبب الرئيس لكل الكوارث التي ستسير بهذا الكوكب إلى الهاوية. طبعًا الهويات لا تكون قاتلة، إلا إذا استعملها طرف ما كسلاح في معارك قذرة، وهو الأمر الذي يحصل الآن في بقع كثيرة جدًا من العالم. في خاتم سليمى عرضتُ تنوع الهويات وتعايشها، وكيف يكون بوضعه الطبيعي السلس ركنًا مهمًا وأساسيًا من أركان الرقي والتطور والإبداع وبناء الحضارة البشرية، ثم كيف يتحول بطرفة عين، إلى سلاح مدمر يفني البشر والحجر ويدفع الإنسانية باتجاه واد سحيق لا قرار له.
- نرى في "خاتم سليمى" تكرار بعض الشخصيات لخطايا الآباء أو محاولتها للهرب من تكرارها. هل تحاول الرواية أن تلقي الضوء على هذه المسألة؟
ألقيت الضوء من خلال هذه الرواية على تأثير خطايا الآباء في حياة الأبناء، كيف تشكّل مصائرهم وقناعاتهم وتقود خطاهم في دروب معينة. كيف وبسبب تلك الأخطاء بالذات ومحاولتهم الهروب منها، يتعثر الأبناء ليقعوا في فخاخ قد تجبرهم على تكرار ارتكاب نفس أخطاء آبائهم بصيغ أخرى.
- تتطور قصة حب سلمى وشمس الدين وسلمى ولوكاس على خلفية الحرب في حلب، ولكن لا تطغى الحرب على السرد. هل هذا مقصود؟
لقد تعمدت أن تظهر الحرب في خلفية المشهد وليس في مركزه، فخاتم سليمى كما كنت قد ذكرت هي ليست رواية عن الحرب، وليست رواية عن الحب، قد تكون نصف رواية وتحتاج إلى مخيلة قارئ لتكمل.
موضوع الحرب سبق أن ناقشته كثيمة رئيسة في رواية سابقة، وقد نحيّته قليلًا في خاتم سليمى ليس لضعف أهميته، بل لأركز على الثيمات الأخرى، وفي النهاية، انا أؤمن أن الحرب بشكل أو بآخر ليست سببًا، بل هي نتيجة، أما الأسباب فكثيرة جدًا ومعقدة، وصرت أفضل الآن أن تكف الروايات (أو رواياتي أنا على الأقل) عن عرض فظائع وفجائع الحرب لتنتقل إلى تشريح أسبابها ونتائجها.
- ما هي الوظيفة السردية لأحلام لوكاس، وهو نائم على سجادة سلمى السحرية؟
سجادة سلمى لم تكن أي سجادة، هي قطعة محاكة ومحبوكة بقصص الأجداد وفنونهم وعرقهم ودمائهم، ترمز للأرض، للانتماء، للتقاليد القديمة، ترمز إلى ذاتنا الحقيقية الأصلية والاسترخاء في حضنها الدافئ من دون تشنج، احترامها، الإيمان والالتحام بها، قد يهدينا رؤيا ورؤية صافية خاصة لمستقبل مختلف، وتفسيرًا خاصًا وجديدًا لأحداث حياتنا المعقدة، ومن المناسب هنا التذكير بالمقولة المعروفة: قراءة الماضي بشكل صحيح يمكننا من استشراف المستقبل. وتقنيًا، استعملت هذا الأسلوب لنسمع صوت لوكاس الداخلي ولنطل على عوالمه الخفية.
- ما سر الانقلاب السردي في الفصل الأخير للرواية؟ وهل كان من الممكن أن تنتهي الرواية قبل هذا الفصل؟
في مسودتها الأولى، انتهت الرواية قبل الفصل الأخير، وحين أعدت قراءتها لم تقنعني، ليس فقط لأن النهاية كانت متواضعة فنيًا، بل أيضَا لأنني شعرت أن الفكرة التي جهدت لإيصالها لم تكتمل، فكتبت الفصل الأخير الذي يلخص زبدة الرواية، والسؤال الملحّ الذي تردد في صفحاتها وبين سطورها؛ هل الحقيقة التي نملكها هي الحقيقة الكاملة أم أن ثمة نصف آخر لم يزل مجهولًا؟ وأي نصف منهما هو الأصح؟ التأرجح بين الشك واليقين ظهر من جديد ليختم الرواية، التداخل بين الحلم والواقع وأيهما أكثر منطقية في هذا العالم المجنون، والسؤال الأخير... أين استقر خاتم سليمى في النهاية؟