حوار مع رجاء عالم المرشحة للقائمة الطويلة

متى بدأت كتابة رواية "باهبل: مكة Multiverse 1945-2009" ومن أين جاءك الإلهام لها؟

باهبل انبثقت من عبارة استقبلني بها صديق حميم هو مزيج من عباس و الجن الساكنيه و يتبادلون الوحي مع جني أنا.

عبارة "انشغلت بدفن عمتي يا الله لو الأمر لي لألقيتها للبحر و ما سمحت بدفنها"

هناك جسر من إلهام امتد من تنهيدة الحسرة و اللوعة في صدر عباس.

كان ذلك عام ٢٠٠٩ قبل فوزي بجائزة البوكر، و ظلت هذه العبارة مدفونة بصدري تتآكلني و منها بدأت رحلتي في عوالم مكة التي انقرضت، عوالم نسائها و رجالها العظام و الجروح الكامنة في صلب العظمة، تلك العوالم لاتشبه غيرها و في نفس الوقت هي نفس الوجع و الوهج الإنساني في كل مكان و محاولته اليائسة لمواجهة المجهول اللانهائي الذي هو الحياة، الحياة الواسعة بتعقيداتها و فرصها النادرة و الوصول و الضياع كل ذلك المختزل في رشفة واحدة.

نساء مكة يوحين بالضعف لكن في صمودهن قوة جبارة، كائنات صنعت من اللاشيء فناً و أدباً و نبضاً يذكرني برعشات ريشة الفنان فان جوخ الذي يتلقى مباشرة من المجهول اللانهائي ، هناك فعل تلق و استقبال لوحي يعطي للاشيء و للامعنى كل المعنى. وراء الوجع تحولات و لمحات بعث لاتكف.

هل استغرقت كتابة الرواية مدّة طويلة؟ وأين كنت تقيمين عند إكمالها؟

منذ عام ٢٠٠٩ كنت كمن يتلقى (تحميلاً download ) من نورية التي صارت تمدني بأحداث و صور و بالذات بأصوات اللهجة المكية التي لم تكن ضمن ثقافتي، و استمر ذلك التحميل و كانت الرواية شبه جاهزة منذ عام ٢٠١٢، لكنني ابقيتها في ملفاتي بانتظار مايشبه الإذن من نورية بالنشر، لم ارغب في احراج من يمكن أن تعريهم الرواية، و لعل بوسعي الادعاء بأنني قد نسيت وجودها، لكن و فجأة و في عام ٢٠٢٠ و كمن تلقى إشارة وجدتني افتح ذلك الملف المنسي و أعيد مراجعتها في ضوء البث الذي تجدد.

ثمان سنوات من الكمون و الصمت تبعها هذا الخروج، إذ لم أعد أنا المتحكمة في مصير هذا السرد أو هذه الحياة، صارت الرواية تحيا بذاتها و تحرك خيوط مصيرها دون تدخل مني.

ست سنوات من التحميل و ثمان سنوات من الصمت هي مدة حمل باهبل.

هل لديك طقوس للكتابة؟

يحلو لي تكرار بأنني أكتب كمن يحيا، الكتابة بالنسبة لي فعل وجود يضيف لكل ممارساتي، هناك مقهى صباحي في باريس و مقهى مسائي، أجلس مع كمبيوتري و أرقب الحياة حولي و ترقبني الكتابة تتجسس علي و تسجل تقاريرها التي قد لاتعني أحداً و قد تنتج بين الحين و الحين مذكرات أو رواية.

أكتب في القطارات في هاتفي النقال، فعل الكتابة مثل فعل تجسس على الحياة، هذه الحياة التي تسكرني في كل لحظة و تحيل اللحظة لأبدية من المعنى.

ما هو مشروعك الأدبي بعد هذه الرواية؟

مشروعي الحياة أو الحي دوماً و أبداً.

هناك تحول جذري في رؤيتي، (مكة أو باريس أو جبال البرانس أو الشمال الاسكتلندي حيث يحلو لي الاعتكاف) خلعت الأمكنة اسماءها و الطرق التي تقود لها، إذ لم يعد المكان في الخارج أو في خارطة بعينها و إنما رجع للدواخل.

اقتبس عبارة من جان ايف لولو Leloup (من صدري خرج الطير و من الطير خرج الطيران و من الطيران خرج الفضاء و من الفضاء خرج الحضور)

هذا الحضور أو الحضرة هو أنا و كل ما يتجسد أو يفنى مني في هيئة كتابة أو غيرها.

أحيانا اتساءل هل بقي ما يُقال أمام هذا الغموض الهائل للحياة و ماوراء، أم أن الصمت أبلغ؟