حوار مع زهران القاسمي المرشح في القائمة القصيرة

17/05/2023

أين كنت وقت الإعلان عن القائمة القصيرة وماذا كان رد فعلك؟

كان ذلك في أيام معرض مسقط للكتاب، عدت متأخرا من المعرض وذهبت إلى بيتي في القرية، كنت وسط عائلتي بعيدا عن الهاتف عندما بدأت الرسائل تتقاذف من المهنئين، استوعبت الأمر بعد ذلك عندما وجدت العديد من الرسائل قد وصلتني من الأصدقاء.

عندما نظرت إلى القائمة الطويلة وما بها من أسماء مهمة ومعروفة على مستوى الوطن العربي لم أكن في الحقيقة أتوقع وجود روايتي في القائمة القصيرة وقلت ذلك للبعض على أن وجودها في الطويلة كان مكسب عظيم وكان هذا كل طموحي، أخبرت زوجتي و أطفالي بما حققته الرواية وخرجنا لنحتفل بذلك في المدينة.

حدّثنا عن بعض دلالات الماء في روايتك "تغريبة القافر".

الإنسان عبر العصور ارتباطه الكبير للماء، لذا نجد أن كبرى الحضارات قامت على ضفاف الأنهار، وأن علماء الانثروبيولوجيا يؤكدون بأن بداية الحياة على سطح الأرض بدأت من الماء، ولكن كيف لو أن هذه المادة التي تمنح الحياة للكائنات هي مصدر لموتها أيضا من خلال ندرتها أو فيضانها، كيف يتحول الماء إلى قاتل.

الدلالة الأخرى هي أن الماء مورد من موارد الطبيعة وأن التبذير فيه وعدم استخدامه الاستخدام الأمثل سوف يؤدي إلى نضوبه، وهذه رسالة في غاية الأهمية للنظر إلى موارد طبيعية تقوم عليها الحياة واستقرار كثير من الدول أن تنظر في طريقة استهلاكها.

أيضا وكما توسع في ذلك الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار، فالماء أمثر من كونه مادة لري العطش، فهو المرآة الأولى التي أغوت نرسيس وجعلته يرى ذاته، فهو الذات السائلة والأنا العميقة التي نقع في حبها ونسعى لامتلاكها وقد يكون ذلك فيه الهلاك، إلا أننا نذهب بعيدا لها.

الكثير من الدلائل تركتها للباحثين في أعماق النص لتفتح عليهم رؤاهم له.

كيف أثرت خلفيتك ومكان إقامتك في قرية عُمانية على كتابة الرواية؟

المطلع إلى الحياة ككل في سلطنة عمان سيجد أنها تعتمد اعتمادا كبيرا على نظام قديم في توفير الماء للشرب والفلاحة وهو نظام الأفلاج، الذي يعتبر نظاما اجتماعيا معقدا تدخل فيه التراتبية الاجتماعية والطبقية، ويقسم فيه الماء بحصص متساوية على مدار السنة ليأخذ كل أصحاب البساتين حقهم، ولأني من أبناء احد هذه القرى، أعرف الكثير منذ نعومة أظافري عن نظام الأفلاج وسمعت الكثير من القصص المدهشة والاساطير المتعلقة يهذا النظام، هذا أثرى محصلتي في كتابة العمل.

تصورت بيئة العمل كقرية عمانية، تصورت طرقاتها وبساتينها، وحاراتها ، كان من السهل آن ذاك الاسترسال في كتابة فصول الرواية.

متى وكيف انتقلت من الشعر إلى الرواية؟ وكيف يؤثر الشعر على كتابتك للسرد؟

في ٢٠٠٨ على ما أذكر بدأت في كتابة عمود في ملحق أشرعة الثقافي بجريدة الوطن، كان تحت عنوان سيرة الحجر، وكانت النصوص في البداية شعرية، ولكنني وجدت نفسي متورطا في اقتحام بيئة السرد، لأنني بدأت استذكر الحكايات المتعلقة بالقرى، واستمر ذلك المشروع حتى استطعت كتابة ما يقرب من مئة نص تدور حكاياتها في القرى والتي كنت قد سمعت معظمها من الناس.

عندما انتهيت من ذلك المشروع والذي لاقى استحسان القراء آن ذاك، قررت تحربة كتابة الرواية وكان في ٢٠١١، كتبت في تلك السنة روايتي الأولى ونشرتها ، أجزم أنها كانت الباب الذي فتح على الرواية.

كنت أحاول جاهدا تفادي الوقوع في اللغة الشعرية، ولكن لأنني متورط في الشعر من قبل كانت الشعرية موجودة بين السطور وفي المشاهد، كان ذلك مهما في صناعة نصا لغته عالية ورصينة دون الانجرار في التهويمات اللغوية من جانب والاستفادة من الشعر من جانب آخر.

حدثنا عن الشخصيات النسائية في الرواية. يبدو أنها تلعب دوراً مهماً في حياة البطل.

المرأة تاريخيا هي من أنسنت البشر، هي من بدأت في التحول الحضاري وفي الزراعة، وكانت السبب في المثير من التحولات التاريخية المهمة، لذلك حاولت أن أركز على ذلك في العمل، كيف ان المرأة هي سبب التحولات أيضا التي طرأت على الشخصية الرئيسية في الرواية، فالقافر حتى يخرج إلى نور الحياة كان ذلك بسبب جرأة امرأة وهي كاذية، والمرأة التي اعتنت به وارضعته أيضا، ثم المرأة التي ساقه الحب إليها لتكون وطنه الكبير، كل تلك الشخصيات لها دور كبير في توجيه النص وفي خلق الشخصية.

قلت في حوار سابق إن "القرويّ تحت المهجر"، يخشى حديث الآخرين. هل هذا جزء من قسوة البيئة المحلية؟

تبدو القرية من الأعلى أو للزائر الذي لا يعرف عن تفاصيلها شيئا هي مكان هادئ جدا ومميز للاستجمام والراحة، ولكن ما إن يتورط في حياة البشر الذين يعيشون فيها حتى يجد أن البشر يعيشون فيها على حكايات بعضهم البعض.

لا يمكن للقروي أن تكون له سمته الخاصة لأنه يعيش على السائد وعلى ذلك النظام الاجتماعي العريق، فهو يشكل منظومة أزلية من عادات وتقاليد وأعراف أنتجتها الحياة القروية، وبالتالي نجد أن كل إنسان مراقب في القرية ومعروف هذا ما يشكل بيئة قاسية على الشخصيات المختلفة والتي تحاول أن تشق طريقا مغايرا عن الجميع.

ماذا، في رأيك، تضيف الحكايات القروية والأساطير إلى نص "تغريبة القافر"؟

عندما بدأت في كتابة العمل كنت أتصور الراوي وهو الصوت الذي يحكي الحكاية في داخل النص على أنه صوتا قرويا محمل بكل ما تحتاجه الرواية من صفات لهذا القروي وطريقة سرده لحكاياته. فمن المعروف أن القروي عندما يبدأ في القص سوف يطوز حديثه ويستطرد في جوانب مختلفة كلها تثري حكايته.

لذلك رأيت أن الطريقة المثلى في كتابة النص بذات الطريقة في القص القروي وبدأت في التشبيك والترميز، إذ أن الحكايات والاساطير التي في العمل لها علاقة كبيرة بالفكرة العامة، فالعمل هنا عن الماء وعن ارتباط القروي به وبأساطيره وحكاياته ومدلولاته.

يقول القافر لزوجته: "لو حدث ما حدث في أحد بيوت شيوخهم وسادتهم لما نبسوا بكلمة، فهناك يغدو العيب حكمةً والجنون فطنةً ورجاحةً". هل لديك تعليق؟ 

مهما كانت رجاحة عقل الإنسان في المجتمع القروي الذي يتميز بطبقيته أيضا فهو لا يعني شيئا، الإنسان في القرية مجبول على تلك التراتبية التي تصنع منه انسانا يرى ويحترم ويقدس أو ينسى بكل بساطة.

وعندما نعود إلى التاريخ نجد أن معظم القصص التي ذكرت عن القرى كانت تحارب كل مختلف ولا تهتم إلا برأي من يحكم وتعتبر كل تصرف يقوم به هو الأمثل، مثال على ذلك ما حدث لكثير من الأنبياء الذين ذكروا في الكتب السماوية.

هل يحفر القافر، بطل الرواية، عمقياً في نفسه، كما يحفر في الصخور محاولاً تحرير الماء في الداخل من سجنه؟

هذا ما يحاول جاهدا فعله، أن الصوت الذي يسمعه قد لا يكون ماء وقد وصل إلى هذه القناعة في نهاية العمل، وربط ذلك بالصداع الذي كانت والدته مصابة به، كان يبحث عن الماء ليحرره ليخرجه من أعماقه وسجنه، لكنه وقع ضحية ذلك إذ وجد نفسه مسجونا ووجها لوجه أمام ذاته المتخمة بالصراع الداخلي، لذا كان همه في النهاية كسر ذلك السجن الذي وقع فيه.