حوار مع فاطمة عبد الحميد المرشحة في القائمة القصيرة
09/05/2023
- أين كنتِ وقت الإعلان عن القائمة القصيرة وماذا كان رد فعلك؟
بخلاف القائمة الطويلة، كنت أعرف موعد إعلان القائمة القصيرة، وكنت قد بدأت أملّ من نبرة صوتي وأنا أستبعد الحظ، ولأن الحياة لا تكتمل مالم تتعقد، كنت في وسط أشخاص لا يعرفون أنني روائية بالأساس، لذا تلقيت الترشيح بصمت وبابتسامة عريضة، ولم يخطر ببالي في حينها إلا مقولة للشاعر والكاتب الأمريكي رايموند كارفر يقول فيها: "الأحلام، هي ما نصْحو من أجلها".
- أحد الأشياء التي تجعل الأفق الأعلى مميزة هو أن راويها ملاك الموت. ما سر هذا الاختيار؟
إنه الملام على كل روح نفقدها، حتى وإن يئسنا من اللوم، وتحلينا بالصبر الذي لا نملك سواه، لكن بدلا من أن ألقي باللوم عليه حاولت أن أدّعي فهمه، تخيلته يقف وحيدا في محاكمة بشرية مشحونة بالغضب، يطالب البشر فيها بالقطيعة مع كل الإرث الذي يخصه، حتى وإن كان عليه في كل عائلة ثأر أو أكثر... تخيلته يغار منا، وهو يقول منكسرا في دفاعه عن نفسه: "سأقفُ أمامهُ، في صمتٍ تأمليّ عميقٍ، فوق ربوةٍ لكونٍ فنيَ كل من عليه، لكن الأبديّة له ولكم، فأنتم من روحه، أما أنا، الذي أنجزتُ كل ما طلب مني بإخلاصٍ شديدٍ، فسيكون علي الرحيلُ وحيدًا... عندها ستتجمّع كل آلامكم، وكل احتضاراتكم، وكل صرخاتكم في حُنجرتي، وسأطلقُ صرخةً مدويةً توقظ الكون من جديد... عندئذٍ، ستنهضون من موتكم، وسأكون أنا الفاني الوحيد." أعتقد أن ما دفعني إلى كتابة هذا المقطع، هو أنني أصبحت أفكر بهذا الملاك بشكل مختلف... بشكل ربما فيه الكثير من التعاطف.
- الرواية تجمع بين العمق والطرافة، السخرية والجد، الحزن والمرح. كيف وجدتِ اللغة والأسلوب المناسبين للتعبير عن كل هذا في آن واحد؟
إنّها طريقتي للتعبير، لأنني غير قادرة على أن أفعل شيئا سواها، لم أجتهد في ذلك، لأن حس السخرية جزء من طبيعتي الشخصية، حتى لو رأيت العالم يمضي إلى كارثة. لا أحب التشاؤم، وأعمالي السابقة تقول هذا عني أيضا، ولن أبالغ في القول إن المرح جزء مني، فلست طيبة المعشر، ولا لطيفة إلى هذا الحد، لكنني مرحة حين تضيق بي السبل، وهو مخرج طوارئ أعتمده في حياتي بانتظام، وغالبا ما ينجح، لذلك أنصح الجميع به!
- تتناول الرواية موضوع الزواج من منظور مختلف. نحن معتادون على قصص البنات القاصرات التي يتم تزويجهن رغماً عنهن. لماذا اخترتِ تناول الموضوع من وجهة نظر ذكر قاصر؟
نظرت لزوجين قصيرين وقاصرين في صورة على جهاز الكمبيوتر، يحيطهما عمالقة يشوهون سماء الطفلين برؤوسهم. وحدهم الأهل هم السعداء في تلك الصورة، أما الصغيران فكلاهما كان ينطفئ وهو غارق في زينة ثقيلة، وكلاهما خائف. الحناء الذي زين كف العروس متشعب ومتباعد، حتى أن تلك الرسمة القبيحة تسللت من تحت قيود الذهب، ومن بين الأصابع المكرهة على التشابك، عابرة باتجاه كف العريس، التي تشنجت هي الأخرى، حتى بدت أصابعه كأغصان رفيعة وهاربة. كان معلقا أيضا على خصره النحيل خنجر مرصع بالأحجار الثمينة، بينما على مكتبي صورة لولدي وهو في مثل عمر العريس، يضم على خصره كرة، وخلفه نجيل أخضر لا حدود للعب فيه. كانت تلك هي الشرارة الأولى...
- من ناحية أخرى، فإن كل الزيجات الأخرى تقريبا تمت بترتيب بين العائلات وليس بين الزوجين، وكلها باءت بالفشل بطريقة أو أخرى. لماذا؟
راقبت أزواجا كثر، وأؤكد لك بأنه لا أحد محترف بالزواج، الزواج أرضية واقعية جدا لنص قديم، ولكنه مرتجل إلى حد بعيد، يُصعّدك الأهل على خشبة ذلك المسرح، يراقبون حياتك التي تصبح علنيّة أمام الجمهور، ويتدخلون فيها متى رأوك تترنح، ليعيدوك إليها إذا اقتضى الأمر، عندها يختلط عليك المشهد، بين صورة الواقع في البيت، وصورة الممثل على الخشبة. تقابل دوما بين شخصك الواقعي والشخص الذي يريدونك أن تكونه، وتظل في حيرة دائمة... ربما لهذا هو مؤسسة عسيرة الفهم على البعض. قد ينهار أحد الزوجين من الداخل ولكنه يظل صامدا، ثم تظن أنك أتيت بالحل، فتصنع له مخرجا آمنا من زواجه، لتقوم في أعماقه نصف ثورة تدافع عن نعمة هذا الزواج، ويمر أمام عينيه شريط مصوّر لأجمل اللحظات مع ذلك الشريك وتبدو كثيرة بالفعل! في الحقيقة، لم أكتب عن زيجات فاشلة في الأفق الأعلى، أنا كتبت عن زيجات واقعية ببساطة!
- بطل الرواية فقد طفولته ومراهقته بسبب زواجه المبكر وقضي بقية حياته في محاولة لتعويض هذا الفقد من خلال لجوئه إلى بناء بيت من أعواد الثقاب ولعب كرة القدم. كيف استحضرتِ تفاصيل عالم الطفولة هذا؟
المنطق الهش لهذا العالم يقول إن كل شيء يتكون في سنوات الطفولة الأولى، ولم يكن سليمان سينجو من طفولته التي تعفنت بداخله مالم يعلنها على الملأ، وكان له أكثر من طريقة بالطبع... بناء بيوت من أعواد الكبريت، دهشته البريئة والدائمة بتفاصيل محبوبته وكأنه يرى الأشياء للمرة الأولى، طريقة رميه للحلوى تجاه شباك جارته، الأسئلة التي لم يتوقف عن طرحها حتى مع أولاده، لأنه لا يملك كل الأجوبة كالكبار. حضرت تفاصيل عالم الطفولة هكذا ببساطة، لأنني كنت أكتب عن طفل كبير، أشعل النيران، ليس رغبة منه في الأذية، ولكن ليقول للعالم إنه وحيد.
- من هم الكتاب الذين أثروا فيكِ كروائية؟
إننا ندرك عن طريق الكتابة ما لا نعرفه، فبقدر ما نكتب نعرف أنفسنا ونعرف العالم من حولنا، ولنكتب علينا أن نقرأ، ولا أعرف كيف أقول إنني ظفرت بالمعرفة من خلال قراءتي لهذا الكاتب من تيار الوعي، أو ذاك من تيار الواقعية السحرية، أو أنني لم أظفر بشيء لأنني ضيعت وقتي بقراءة رواية بوليسية! هذا أمر لا أعرف كيف يجيد بعض الكُتّاب تحديده، وأحسد بعضهم على دقة التقدير والاستخلاص بمن تأثر تحديدا! لقد تأثرتُ بكل كاتب قرأت له، حتى الرديء منهم. قراءة الكتب الرديئة تفتح عينيك جيدا على تلك الأخطاء، التي يجب عليك أن تتحاشى الوقوع فيها أثناء الكتابة. علينا أن نسلك أحيانا بعض الطرق الوعرة، لندرب حواسنا على الاستيقاظ الدائم!
- ماذا تقرأين الآن؟
أقرأ "الكلام المباح - حكاية شفائي بالتحليل النفسي". لماري كاردينال - ترجمة عبد الهادي الفقير