حوار مع أحمد عبد اللطيف المرشح للقائمة الطويلة

28/02/2023

متى بدأت كتابة رواية "عصور دانيال في مدينة الخيوط" ومن أين جاءك الإلهام لها؟

تدور في ذهني فكرة الأرشيف والمدينة التحتية المختبئة، التي تدير العالم في الخفاء، منذ سبع سنوات تقريبًا، إذ يبدو لي أن العالم ليس هذا السطح الذي نراه، وإنما طبقات متراكمة من العمق كلما توغلنا فيه اكتشفنا طبيعة الأشياء. والمدينة، القاهرة، هي نموذج المدينة متعددة الطبقات، متراكمة التاريخ والأحداث. ثمة قاهرة يعرفها السياح، وقاهرة يعرفها سكانها، وقاهرة ثالثة يعرفها بشكل مختلف أهل السلطة والنفوذ، وبالطبع هناك القاهرة المهمشة والعشوائية. وذات يوم من عام 2019 هُيئ لي وأنا أتجول بمنطقة الدقي بوسط المدينة أن هؤلاء المارة، الباعة والسيارات ومحطات المترو، المسرعون والمتهادون في خطاهم، لا يتحركون بمحض إرادتهم، وأن أفعالهم تتبع يدًا خفية. من هنا تخيلت أننا جميعًا ماريونت تحركنا هذه اليد بخيوط غير مرئية، تحركنا مصائرنا وتوجهنا لقِبلتنا النهائية، لا نملكها نحن كما نتصور، وإنما يملكها آخرون يتمتعون بصفة لا نتمتع بها: أنهم محجوبون وراء ساتر، أنهم يروننا بدون أن نراهم. ولدت هذه الفكرة في فترة كنت أسترجع فيها سنوات طفولتي بكل ما حدث فيها من أحداث قاسية ومؤسفة، وكنت أجتهد لأتذكر أحداثًا تعمدت خلال سنوات طويلة أن أنساها، أهمها على الإطلاق حدث اعتداء جنسي على طفل في مدرسة دينية، وهو موضوع مسكوت عنه اجتماعيًا رغم خطورته. هكذا تكوّن العالم السردي بمزيج من السيرة والخيال والذاكرة، وكان دانيال هو الشخصية التي ربطت بين الطفل والمدينة، صوت الطفل ورؤيته للمدينة من منظوره كطفل مُغتَصَب.

هل استغرقت كتابة الرواية مدّة طويلة؟ وأين كنت تقيم عند إكمالها؟

استغرقت الكتابة ثلاث سنوات تقريبًا، منذ منتصف 2019 وحتى مايو 2022، لكن سبق كتابتها في شكلها الروائي يوميات تتكوّن من نصوص صغيرة تحاول جمع ذكريات الطفولة في مادتها الأولى البريئة كأحداث ثم التأمل حولها وربط كل حدث بالآخر. هذه اليوميات كانت النبتة الأولى للعمل حتى جاءتني فكرة مدينة الدمى ليتحوّل الواقع إلى فن، والملموس إلى استعارة. أثناء ذلك كنت أقيم في القاهرة، لكني كنت أتنقل بين القاهرة ومدريد. وكما بدأتها في القاهرة أنهيتها فيها. 

هل لديك طقوس للكتابة؟

أحب فكرة الطقوس بشكل عام، لأنها تمنح لكل شيء خصوصيته، وتشكّل نوعًا من استحضار الشيء ومناداته. في يومي العادي، أحب الاستيقاظ مبكرًا، في الخامسة أو السادسة صباحًا. أحب بدء الكتابة وأنا في مرحلة ما بين النوم واليقظة، في لحظة يكون الذهن فيها عائدا من رحلة حلمية ولم يلمس الأرض بعد. أكون حينها في صفاء وطمأنينة هما مفتاحي للكتابة. بعد نصف ساعة تقريبًا أستسلم للصحيان التام وأواصل الكتابة مع القهوة، أمنح الصباح كاملًا لإكمال الفكرة التي شرعت في خطها وعادة ما يتولد منها أفكار أخرى. الصباح هو عزلتي المحببة، والكتابة ابنة نور النهار. أواصل الكتابة حتى الحادية عشرة تقريبًا، ثم أشرع في أعمال أخرى مثل الترجمة او الكتابة الصحفية، وبالليل أفضّل القراءة ومشاهدة الأفلام. وفي خلفية اليوم، أثناء الكتابة وبعدها، تصدح الموسيقى الكلاسيكية طول النهار بدون توقف، وأختار ما يناسب منها نصي السردي. "عصور دانيال" مقطوعتها الموسيقية هي رومانس لارجيتو، كل الرواية كُتِبت على هذا الإيقاع.

ما هو مشروعك الأدبي بعد هذه الرواية؟

بدأت في كتابة رواية أخرى أظنها منطقة جديدة في كتابتي، إذ يسودها الفكاهة والسخرية في السرد رغم الأحداث المؤلمة التي تتناولها. بشكل عام، هي قراءة متأملة في مدينة القاهرة، وهي استكمال من زاوية أخرى لمشروعي في الكتابة عن المدينة وتحولاتها ومصير الفرد بداخلها.