حوار مع عبد المجيد سباطة المرشح في القائمة القصيرة

19/04/2021

 

أين كنت وقت الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة؟ وماذا كان رد فعلك؟

أتابع دراستي حاليا بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بمدينة طنجة المغربية، عندما تم الإعلان عن القائمة القصيرة كنت في المدرج، حصة الترجمة المتخصصة من الفرنسية إلى العربية. لم أتمكن من متابعة البث المباشر على الصفحة الرسمية للجائزة، لكن صديقة وزميلة دراسة أصرت من جانبها على مشاهدته، وأشارت لي بعينيها من بعيد بما يفيد بمرور رواية الملف 42 إلى القائمة القصيرة. فتحت هاتفي المحمول عندئذ لأجد سيلا من التهاني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واتصالات من ناشري الأستاذ هيثم فاضل. انتظرت ربع ساعة إضافية إلى حين انتهاء الحصة، ثم غادرت بسرعة واتصلت بالوالدين أولا، فكانت سعادتهما بالخبر كبيرة للغاية. تمنيت الاحتفال معهما في المنزل بمدينة سلا، لكن ظروف الدراسة حكمت بغير ذلك. على كل، غمرني شعور جميل أعجز حاليا عن وصفه، فحملت حقيبة ظهري وغادرت، لأذهب مباشرة صوب شاطئ طنجة الرائع، باحثا عن الهدوء والسكينة التي أفضلها، كلما واجهت موقفا مفعما بالمشاعر مثل هذا، قبل الاتصال بصديقين عزيزين يقيمان في المدينة نفسها، ويجمعني بهما "الهوس" بالأدب، لنحتفل معا.

 

وُصفت رواية "الملف 42" بأنها ثلاث روايات في رواية واحدة. هل لديك تعليق؟

أجد هذا الوصف قريبا إلى حد كبير مما خططت له أثناء اشتغالي على الرواية. فور انتهائي من كتابتها، فكرت في إدراج كلمة في الصفحة الأولى، أوضح من خلالها وجود عدة طرق لقراءتها، ربما سيرا على نهج الأديب الأرجنتيني الراحل خوليو كورثاسار في رواية "الحجلة"، لكنني تراجعت عن الفكرة في نهاية المطاف، مفضلا ترك المهمة للقارئ لجمع وتركيب وتفكيك فصول الرواية كما يشاء، وبالفعل، انتبه عدد من القراء إلى وجود إمكانية لقراءة الفصول من 1 إلى 20 و من 1' إلى 20' بشكل منفصل، كل منهما رواية مستقلة، أو القراءة الخطية الكلاسيكية المعتادة، التي ستحيلنا في نهاية المطاف إلى رواية ثالثة، أو قطع بازل يتم تجميعها رويدا رويدا قبل الوصول إلى اللوحة الكاملة.

 

هل توافق على تصنيف "الملف 42" ضمن الروايات "البوليسية" أم أنها تنتمي إلى "الأدب الدروودي، المعتمد على حلّ الألغاز المعقدة" (ص. 209)، كما تقول إحدى الشخصيات، مشيرة إلى رواية "لغز إدوين دروود" لتشارلز ديكنز؟

لا أنكر بأن الأدب البوليسي احتل موقعا مهما في خريطة قراءاتي منذ سنوات طفولتي الأولى، وقد استفدت كثيرا من تقنياته المعتمدة بشكل كبير على التشويق ودفع القارئ لمواصلة القراءة حتى الصفحة الأخيرة دون أدنى شعور بالملل، ولكنني لا أوافق رغم ذلك على تصنيف الملف 42 رواية بوليسية بالمفهوم الكلاسيكي، بل أجدها قريبة بالفعل من الأدب الدروودي المنسوب لتشارلز ديكنز، والمعتمد على حل الألغاز المعقدة، وذلك بالتوازي مع مناقشة مواضيع لها حمولتها الكبرى، وعلى رأسها سؤال الكرامة الإنسانية، التي كانت المحرك الأول لكتابة الملف 42.

 

يقول رشيد بناصر إن كتابة الرواية "معركة عنيفة" (ص. 9). ما هي أكبر التحديات التي واجهتَها خلال كتابة "الملف 42"؟   

تمثل التحدي الأكبر خلال كتابتي لرواية الملف 42 في طرقي أبواب موضوع تم إدراجه منذ سنوات ضمن خانة "المسكوت عنه"، أتحدث بطبيعة الحال عن كارثة الزيوت المسمومة التي عرفها المغرب سنة 1959. لا أنتمي للجيل الذي عاش أطوار المأساة، لذلك تطلب البحث عن المصادر التاريخية –القليلة أصلا- والوصول إلى شهادات بعض المتضررين مجهودا كبيرا للغاية، بالإضافة إلى محاولتي تحري الدقة، وبالتالي وضع القارئ في أجواء تلك الفترة، بما يستوجب ضبطا لأصغر التفاصيل المتعلقة بنمط العيش قبل ستين عاما، وصولا إلى ذلك الشك الطبيعي الذي يرافق "معركة" الكتابة : "هل سأتمكن من إيصال الرسائل التي أردت تمريرها من خلال الملف 42 أم لا؟"

 

هل الباحث المغربي رشيد بناصر يشبهك؟

في الصفحات الأخيرة من الرواية، يلتقي زهير بلقاسم بعد عودته من روسيا بعبد المجيد سباطة، وقد لاحظ –بحكم قراءته لمخطوط عبد المجيد- بأن الأخير يشبه رشيد بناصر إلى حد كبير، ولا أنكر بأن هذا رأيي الشخصي أيضا. يحمل رشيد الكثير من ملامحي وشكلي الخارجي، أما فيما يتعلق بالطباع، فربما كان زهير صادقا أيضا عندما أضاف بأن أحدنا قد تمكن من التأثير على الآخر بشكل ما، لكن، وبعيدا عن ألاعيب الحقيقة والخيال في الرواية، فإنني أعتبر رشيد تجسيدا واضحا لعدد كبير جدا من الشباب المغاربة، ممن حباهم القدر بطاقات ومواهب عظيمة، لكنها تسحق يوميا، بين مطرقة القهر وسندان الهدر.

 

نجد في الرواية إشارات إلى روايات عالمية (عناوين الفصول هي عناوين روايات مختلفة)، وكل الشخصيات بصدد الكتابة أم القراءة أم البحث عن مؤلفي نصوص أم البحث عن حلول أدبية. ماذا تريد الرواية أن تقول عن الكتابة والقراءة ودورهما في حياة الإنسان؟

يدور جزء كبير من أحداث الرواية في أجواء من الغموض والتحقيق المرتبط أساسا بعالم الكتب والأدب، سيلاحظ القارئ بأن معظم شخصيات الرواية قد واجهت مصاعب الحياة وويلاتها بالكتاب والقلم، وهي بالنسبة لي رسالة واضحة للغاية : الكتابة -وقبلها القراءة طبعا- هي خط دفاعنا الأخير ضد بؤس العالم وصدماته.

 

حدّثنا عن العلاقة بين الواقع والخيال الروائي. هل الرواية أصدق من الواقع أحيانا؟ وهل الشخصيات الروائية أكثر واقعية أو أهم من الأشخاص الذين نلتقيهم في الحياة؟

تعتمد رواية الملف 42 بشكل كبير على خوض غمار لعبة الكشف عن الخيط الرفيع الفاصل بين الواقع والخيال، وقد اعتدت على أسئلة بعض القراء حول الحقيقي والمتخيل في أحداثها، وربما هذا ما كنت أبحث عنه منذ البداية، أن أظهر قدرة فن الرواية على التوحيد بينهما، بما يتماشى مع ما قاله الكاتب الإيسلندي يون كالمان ستيفنسون :"اكتب إلى أن تكف عن التمييز بين النص ونفسك". الواقع يؤثر في الرواية طبعا، لكن الرواية قادرة أيضا التأثير في الواقع، لنتذكر فقط "آخر يوم لمحكوم بالإعدام" لهيغو و"عناقيد الغضب" لجون شتاينبك و"الحارس في حقل الشوفان" لجيروم سالينجر و"كوخ العم توم" لهيريت بيتشر ستو وغيرها. دون كيخوته وجان فالجان وآنا كارنينا وأحمد عبد الجواد وراسكولنيكوف وإدموند دانتيس وبينو فون أرشيمبولدي، كلها شخصيات من ورق، لكنها طبعت ذواتنا وتركت أثرا قويا في أعماقنا، أثر ما كان بشر من لحم ودم قادرين على تركه، وهنا تكمن عظمة الأدب في رأيي.

 

من هم الكتّاب الذين أثّروا فيك كروائي؟ ترجمتَ روايتين للكاتب الفرنسي ميشيل بوسي. هل أثّر في كتاباتك وكيف؟

سيكون من الطريف القول بأن الإجابة عن هذا السؤال قد تتغير لو أجري الحوار قبل أسبوع أو بعد بضعة أيام. أتعامل مع كل كتاب جديد كتجربة مختلفة تؤثر فيّ بطريقة ما. أظهرت رواية الملف 42 ميلي للتجارب السردية التجريبية والحداثية، وما كتبه كالفينو وبيريك وأوستر وكورثاسار ودون ديليلو وغيرهم، ولكن هذا لا يعني إهمالي للأدب الكلاسيكي، الذي أعتبره قاعدة أساسية للانطلاق، من دوستويفسكي ودوما إلى همنغواي وزفايغ، مرورا بكافكا ووايلد وكونان دويل، وينطبق هذا أيضا على اهتمامي الأدبي العربي، من أشعار المتنبي ومقامات الحريري، إلى روايات محفوظ ومنيف ومينه وجابر، والقائمة تطول طبعا !

بالنسبة لميشيل بوسي، فقد كانت تجربة ترجمة بعض رواياته ثرية ومفيدة للغاية، هو بارع جدا في شد انتباه القارئ والتلاعب به وإيهامه بوصوله إلى حل الحبكة قبل مفاجأته بما لم يكن يتوقعه، كما يعالج في رواياته مواضيع ذات أهمية بالغة، وأذكر هنا على سبيل المثال رواية "لن ننسى أبدا" التي جمعت بين التشويق البوليسي وتحليل علاقة الشرق بالغرب، من خلال قصة شاب من أصول مغربية، يعيش في فرنسا ويسعى لإثبات براءته بعد اتهامه بارتكاب جرائم اغتصاب وقتل.