حوار مع أميرة غنيم المرشحة في القائمة الطويلة

26/03/2021

متى بدأت كتابة رواية "نازلة دار الأكابر" ومن أين جاءك الإلهام لها؟

لا أنفكّ أسأل نفسي هذين السؤالين: متى ومِن أين؟ ولكن هل يعرف الكاتب على وجه التحديد متى انقدح في ذهنه زناد السرد؟ وهل يسمح الجزء غير الواعي الملازم وجوبا لعمليّة الخلق الإبداعيّ بأن يدرك المؤلّف ما ملهمات نصّه وما الدوافع إليه؟ قد يقرّب الواحد منّا تاريخ الشروع في التدوين بالأشهر والسنوات، ولكنّ الكتابة عمليّة ذهنيّة صامتة لا تبدأ متى جلسنا إلى لوحة الحاسوب، تماما كما أنّ حياة الشجيرة لا تبدأ من ظهور برعمها على أديم الأرض. نحتاج إلى أن نمسك بالبذرة المخصبة للفكرة وأن نعرف لحظة التقائها بتربة العالم التخييليّ لنجيب عن سؤاليْ متى ومِن أين. ولست أدّعي هذا الصفاء في الذاكرة والوعي. كلّ ما أذكره أنّي ارتطمتُ، أثناء بحثٍ أكاديميّ، ببيتٍ شعريّ مدوّخ في ديوان المصلح التونسيّ، نصيرِ المرأة والحريّات، الطاهر الحدّاد. هل كان ذاك البيتُ البذرةَ الملهمة المخصبة؟ أم إنّه قطرة الماء التي أعادت الحياة لفكرةٍ نامت برأسي سنين؟ صدقا، لا أدري. 

 

هل استغرقت كتابة الرواية مدّة طويلة؟ وأين كنت تقيمين عند إكمالها؟

تحديدُ الزمان بالمدى طولا أو قِصرا أمرٌ نسبيّ، فقد يبدو لي وجيزًا ما يبدو لغيري متناهيا في الطول، أو العكس. غير أنّه من الثابت عندي أنّ الرواية استغرقت خواطري عامّةَ يومي زمان كتابتها. فقد كانت شخصيّاتها تصاحبني حيثما انتقلتُ في مدينة سوسة بالساحل التونسيّ، المكان الذي بدأتُ منه الكتابة وفيه أتممتها. ترافقني على طريق عملي نحو الجامعة، أتفاوض معها على الحبكة وأنا أقتني مشتريات البيت، وتقف معي على الموقد حين أعدّ لأطفالي الغداء والعشاء. وتتوسّد وسادتي قبلي، فإذا النومُ وسط زحامها مطلب بعيد. نعم، لست أعرف إن كانت الرواية قد استغرقت زمنا طويلا ولكنّي أعرف يقينا أنّها.. استغرقتني.

 

كيف استقبلها القراء والنقّاد؟

أبهجني حقّا أنّ الرواية حظيت عند القرّاء والنقاد بحفاوة كبيرة، إذ لا قيمة لنصٍّ لا يقبل عليه القارئ وإن يكن من عيون الأدب. ومن حسن طالع "نازلة دار الأكابر" أنّها شقّت طريقها إلى جمهور القرّاء بسلاسةٍ عجيبة، فقد توجّت أوّل ظهورها بجائزة وطنيّة محليّة، ثمّ تعدّدت بشأنها المقالات التعريفيّة والنقديّة سواء عن طريق الصحف السيّارة أو في المواقع الالكترونيّة، وقدّمها الإعلام التونسيّ للقرّاء في مناسبات كثيرة خلال البرامج الثقافيّة في الإذاعات والتلفزيون، واحتفت بها مجموعات القراءة على وسائل التواصل الاجتماعيّ، حتّى إنّها بلغت في بحر أشهر معدودة طبعتها الثالثة داخل الفضاء التونسيّ فحسب، وذلك رغم ضيق السوق التونسيّة قياسا إلى عدد السكّان. وأعتقد أنّ بلوغها هذه المرحلة في المسابقة سيفتح لها باب الانتشار العربيّ ويدعم منزلتها مستقبلا في المدوّنة النقديّة العربيّة.

 

ما هو مشروعك الأدبي بعد هذه الرّواية؟

أواصل الغوص في التاريخ غير الرسميّ لشخصيّاتٍ زيّفت الوثائقُ صورتَها في الذاكرة الجمعيّة. أستخرج من المحار العنيد الدرر المنسيّة. من تحت قوقعة الصلابة والقوّة أفتّش عن الجروح الدالّة على هشاشة الإنسان، وأتعقّبُ بمجهر الخيال الروائيّ الظواهر الاجتماعيّة والنفسيّة التي ما يزال تأثيرها المدمّر مسيطرا على راهِننا التونسيّ المرير الكئيب. في العمل الذي يشغلني الآن، أجرّب بنية سرديّة جيدة مختلفة في تقنياتها البنائيّة ووسائلها التعبيريّة عمّا اعتمدته في "نازلة دار الأكابر"، ومنتهى رجائي أن يكون هاجس تحديث الخطاب الروائيّ، سواء في لغته أو في تقنيّاته البنائيّة أو في مضامينه، المحرّك الأساسيّ لمشاريعي القادمة.