حوار مع عبد الوهاب عيساوي المرشح للقائمة القصيرة

08/04/2020

أين كنت وقت الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة؟ وماذا كان رد فعلك؟

كنت أتابع البث المباشر للجائزة، ثم انقطع النت فجأة، وعرفتُ أن اسمي في القائمة القصيرة من صديق على الفيسبوك، طبعا كان خبرا سارا.

حدثنا عن البحث الذي قمت به من أجل كتابة "الديوان الإسبرطي". هل عثرت على حقائق أم شخصيات فاجأتك؟

على غرار الروايات الأخرى، تفرضُ الرواية التاريخية بحثا معمقا، وشحنا مطالعاتيا كبيرا، وقد بلغت المراجع التي اطّلعت عليها سبعين كتابا، تاريخية وأدبية، ورحلات، وتقارير عسكرية، كلها انصبّت على فترة ما قبل الاستعمار وما بعدها بسنوات، كل ذلك من أجل قراءة الجو العام الذي رافق الأحداث التي تناولتها الرواية. بالتأكيد عثرت على الكثير من الحقائق التاريخية التي غيّبها التاريخ الرسمي، وعلى شخصيات لا يعرف عنها المثقف إلا القليل.

يقول الصحافي الفرنسي ديبون: "تظل الحملة معنى لا يتفق عليه اثنان من المشاركين بها" (ص. 256). هل لك تعليق؟

الباحث في التاريخ المشترك يُدرك التباين في الرؤى التي صاحبت الحملة، والشرخ الذي كان واقعا في السياسة الفرنسية آنذاك، بين أنصار الملك، والليبيراليين الذين تبرّموا من سلطته المطلقة ولم يروا في الحملة إلا أنها بحثٌ عن المال ليُطيح الملك بمعارضيه، بينما رآها رجال الدين نشرا لنور الرب في إفريقيا خصوصا وأنّهم أصحاب الحظوة عند الملك، فكلّ منهما ينظر إلى الحملة من الزّاوية التي تجبر رغبتهُ.  

كثيرا ما نجد أن نفس الأحداث تُروى عدة مرات من وجهات نظر الشخصيات الخمس، في القسم الخامس مثلا. ماذا كنت تسعى إليه من خلال اختيار هذه الطريقة في السرد؟

تعتمد البنى الكلاسيكية للرواية على تقديم الحكاية من منظور وحيد، قد يقوم به الراوي العليم، أو راو مشارك، لكنّ البينة البوليفونية تشتغل على مناظير متعددة، تروى الحكاية من زوايا مختلفة، وتتعدد الخطابات المتباينة. تتجاوز الرواية فنيا مفهوم الشمولية ما يجعل الموضوع ذاته يتحرر من الرؤية الوحيدة. ولعلّ الفكرة التي ألحت في كتابة الديوان الإسبرطي: ما هو الشكل الذي يمكن أن ينسجم مع موضوع يُرى من وجهات نظر مختلفة؟

لا يخلو كافيار المستبد والقاسي من مشاعر إنسانية، يحب ديبون الذي يذكّره بشبابه وأحلامه قبل تحوله إلى شخص آخر بسبب تجربة العبودية. ماذا تريد الرواية أن تقول عن حقيقة الإنسان من خلاله؟

مع أن كليهما متعمق في اللاهوت، لكنّ كافيار يناقض ديبون في التوجه، فسجنه وعبوديته لم يوَّلد لديه إلا الكراهية والحقد، يُمكن اعتباره كمن يخوض المَطْهر الأرضي بمشاركته في الحملة ليتحرر من الشرور التي يحملها. قد يعود مرة ثانية بعد انتهاء كل شيء إلى صورته الأولى المشابهة لديبون. 

إلى أي مدى ترمز شخصية دوجة إلى مدينة المحروسة؟

ارتبطت صورة المرأة بالمدينة في الكثير من الروايات الكلاسيكية، ولكل كاتب تصوره في هذا الإسقاط، ولم يكن الترميز في الديوان مقصودا بتلك الصورة، وإنما جاء استجابة لرؤية فنية وموضوعاتية تخدم الرواية، تحتاج الرواية صوتا له الحق هو الآخر في إبداء وجهة نظره مما يحدث، ومواجهة الخطاب الكولونيالي الذي يجابهه السلاوي وابن ميار بطريقتيها، ولدوجة كذلك رؤيتها الخاصة المبنية على تجربتها الحياتية.

ما هي دلالة شخصية المزوار (ضابط مسؤول عن تنظيم البغاء في المدينة)، والمبغى؟

ارتباط البغاء بالسلطة يفتح نافذة على أسئلة متعددة، هل البغاء فعلا هو أن تهب المرأة جسدها، أم أن هناك مفاهيم أخرى تحدده؟ تُسقط الرواية النظم السلطوية على المبغى، والحاكم المتسلط ممثلا في المزوار. وبهذا يمكن فهم بقية دلالات الأحداث التي تتعلق بالمصطلحين في الرواية، وحتى انعكاساتها على الراهن.

يقول ديبون، في إشارة إلى كلمات كافيار: "في إفريقية لم تخلّفوا شيئا لله، كل شيء قد آل إلى القيصر" (ص. 260). هل هو محقّ؟

طبعا محق، استهلك الاستعمار القارة الإفريقية ولا زالت دولها تنوء تحت قيود عقود طويلة الأجل، كما أشعل فيها حروبا وفتنا طائفية متواطئا مع حكوماتها لاستنزاف ثرواتها، غاضا الطرف عن الاستبداد الذي تمارسه حكوماتها، ومع أن الاستعمار التقليدي قد انزاح، ولكن نفوذه وامتيازاته لا تزال نفسها في مستعمراته القديمة.

هل كافيار منتصر في النهاية وهل ابن ميار مهزوم تماما؟

تُقرأ شخصيتا كافيار وابن ميار في سياقهما التاريخي الذي وضعتا فيه، قد عبّرا عن فكرتين كانتا سائدتين آنذاك، ولكنّ السؤال الأكثر إلحاحا ما مدى تأثير إيديولوجيتيهما على الراهن؟ وهل لا زالت تجد قبولا أو تبنيا من أطراف معينة؟ فعلى الرغم من الثورة الثقافية التي شهدها العالم إلا أنه لم يستطع تجاوز نفسه بإحقاق السلام، مثلما كانت هناك دائما شخصيات تقدَّم على أنها وسائط من أجل بناء الديموقراطيات، ثم لا نرى إلا مزيدا من الخراب، وبالتالي لا نستطيع أن نحكم على هزيمة أو انتصار أي من الشخصيتين فالمسألة نسبية، والانتصار قد يكلّف آلاف الأرواح وبالتالي قد نعيد النظر في حساباتنا.

يقول ابن ميار عن أبنية المحروسة التي يهدمها الفرنسيون: "نظل نميل إلى الأشكال المنحنية، كالأقواس والدوائر، بينما ترتفع أبنيتهم مثل مربعات ومثلثات، لا يمكن أن يصبح الهلال صليبا. قرون من الحروب والموتى، وما حال هلال إلى صليب، مثلما لم يتحول صليب إلى هلال" (ص. 346). ماذا تريد الرواية قوله عن الهوية وعلاقة الشرق بالغرب؟   

تظل علاقة الشرق بالغرب جدلية ليس من السهل تفكيكها، وقد اشتغل النقد الثقافي على البنيات المؤسسة لكلا الحضارتين مثلما قدمت الرواية العربية قراءة عن تلك العلاقات الملتبسة. في الديوان كانت شخصية ابن ميار تتمثل الشرق بكل أبعاده الاجتماعية والنفسية وحتى العمرانية، بحكم انتماء الجزائر لهذا الفضاء حضاريا وليس جغرافيا، ثمّة صراع حضاري ضارب في التاريخ، ومن الطبيعي أن يلقيَ بظلاله على الرواية ولا يزال هذا الخطاب فاعلا إلى الآن...

ما سر ولعك بالتاريخ؟ ركزت روايتك السابقة "سييرا دي مويرتي" على معاناة الإسبان الذين سُجنوا في مخيمات في الجزائر بعد هزيمتهم في حرب إسبانية الأهلية في الثلاثينيات. هل يهمك سرد قصص المنسيين، منهم الغربيين المهزومين؟

يمنح التاريخ قراءة واعية للحاضر، تُقرأ مسببات الأحداث الأولى، ومنها تعرف البنيات الاجتماعية وطبيعة تفاعلاتها، مثلما تحدد الكثير من العلاقات التي أسست للحاضر. اعتادت الروايات التاريخية العربية الكتابة عن الآخر المنتصر، والتأسيس لوجهة نظر متعالية، لكن "سييرا دي مويرتي" قدمت وجهة نظر مغايرة، وجهة نظر الآخر المهزوم. فقد اقتضت العادة التاريخية أن يكتب التاريخَ المنتصرون، ألا يمكن أن تنقلبَ هذه الوجهة فيصير للمنهزم صوت مسموع؟ ذلك رهانُ الرواية الحالي في نظري – على الأقل.

هل ستكون روايتك القادمة تاريخية؟

لن تكون تاريخية بالمعنى الحرفي، ولكنها ستتكئ على التاريخ.