حوار مع محمّد عيسى المؤدّب المرشح في القائمة الطويلة

03/02/2020

متى بدأت كتابة رواية "حمّام الذهب" ومن أين جاءك الإلهام لها؟

   بدأت كتابة رواية "حمّام الذّهب" في  جانفي 2017، المرحلة الأولى كانت مرحلة البحث في مكتبة مدينة تونس عن تاريخ الأقليّة اليهوديّة في "حيّ الحارة" بمدينة تونس العتيقة ومع باحث تونسي مختصّ في التّراث ومرحلة تجميع الشّهادات الحيّة حول أسطورة حمّام الذّهب الشّعبيّة. كانت ترافقني في الأثناء سيّدة يهوديّة أطلعتني على أدقّ التفاصيل في الحياة اليوميّة لليهود وكان ذلك مهمّا لي في تسريد تاريخ هذه الأقليّة التي عاشت محرقة مؤلمة أثناء الحرب العالميّة الثّانية،  و تسريد ما عاشته بعض العائلات اليهوديّة في حرب الأيّام الستّة من مضايقات من قبل قلّة متطرّفة لا من شعب متسامح ومعتدل ومسالم. 

  رواية  "حمّام الذّهب " تندرج في إطار مشروع روائيّ يتضمّن ثلاث روايات وعنوانه: الأديان والمكان، والمكان هوّ تونس. بعد الإسلام في رواية " جهاد ناعم" المنشورة سنة 2017 تناولت في الرّواية الثّانية الدّيانة اليهوديّة تأريخًا لآلام يهود القرانة الذين  طُردوا من إسبانيا والبرتغال واستقرّوا في مرحلة أولى  بمدينة قرنة ليفورنو بإيطاليا ثمّ هاجروا إلى تونس في حدود القرن 17 ميلاديّا بعد موت الدّوق الكبير فرديناند الثّاني. كان لابدّ  من أن أجمع بين التّاريخ والواقعيّة السّحريّة حتّى لا أكرّر ما كُتب عن الأقلّيات. وما ألهمني تفاصيلَ الأحداث هو ما ميّز مدينة تونس العتيقة من حياة جميلة وتعايش بين اليهود والمسلمين وحتّى المسيحيين، وطرحت السّؤال الأهمّ: لماذا كانت تونس في الماضي متعدّدة ومتنوّعة ومتعايشة بمختلف الثقافات والدّيانات والآن صارت حلبة للكراهيّة والحقد وإقصاء الآخر المُختلف؟، أليس اليهوديّ تونسيّا مثله مثل المسلم؟.. وبمعنى آخر فإنّ التّطرّف في تونس هوّ تطرّف أقليّة مُتعصّبة لا تُمثّل شعب تونس الذي عُرف عبر تاريخه بالانفتاح على الحضرات والتّعايش بين الأديان.

هل استغرقت كتابة الرواية مدّة طويلة؟ وأين كنت تقيم عند إكمالها؟

   زمان كتابة رواية " حمّام الذّهب " استغرق سنتين بحثا وتحريرا، المرحلة الشّاقّة طبعا هيّ البحث خاصّة أنّ التّاريخ التونسي سكت أو هو تناسى تاريخ الأقليّة اليهوديّة المؤلم، لذلك كان عليّ أن أبحث بدقّة ومشقّة حتّى تكون مُقاربتي السّرديّة أقربَ ما تكون إلى الظّروف التي عاشها يهود القرانة في حيّ الحارة بتونس العاصمة. وأثناء البحث والتّحرير كنت أتنقّل على مسافة 90 كيلومترا بين مدينة تونس وبلدتي الرّيفيّة واسمها صاحب الجبل بالوطن القبلي التونسي. وفي بلدتي أنهيت كتابةَ الرّواية.

كيف استقبلها القراء والنقّاد؟

   في الحقيقة، استقبال القرّاء لرواية "حمّام الذّهب" فاجأني بحكم أنّهم متعطّشون للتّاريخ المنسيّ للأقليّة اليهوديّة في حيّ الحارة بمدينة تونس العتيقة، فالمُدوّنة التونسيّة لم تتعمّق في تسريد هذا التّاريخ المنسيّ، تماما كما فعل المُؤرّخون. ولا أُخفي أيضا أنّ الحديث عن الأقليّة اليهوديّة في تونس مسألة شائكة ومغامرة كبرى بحكم الحساسيّة المفرطة للموضوع قديما وحديثا ولكنّي غامرت بفتح هذا الملّف الذي كان يجب أن يُفتح وانتظرت ردود أفعال عنيفة ومُتّهِمة وهو ما حدث .  المسألة الثّانية التي أثارت اهتمام القرّاء هوّ حمّام الذّهب الذي اشتهر بأساطيره الشّعبيّة، تلك الحكايات ظلّت حكايات شفهيّة متناثرة ووثّقتها رواية " حمّام الذّهب" استنادا إلى روايات متعدّدة ومختلفة وموثوق بها.

    أمّا بالنّسبة إلى النّقاد فقد انتبهوا إلى قضايا الرّواية العميقة إنسانيّا، وأذكر في هذا السّياق الدّكتورة دليلة شقرون من كليّة الآداب صفاقس تونس التي كتبت عن الرّواية دراسة مطوّلة عنونتها ب" التّاريخي ودلالاته في رواية "حمّام الذّهب". كما كتبت الدّكتورة ليلى بوعكّاز من الجزائر دراسة بعنوان: "حمّام الذّهب أو حفر في التّاريخ للإقامة الصّلاة الإنسانيّة ". وتتابعت الدّراسات بعد ذلك في ما يتّصل بالهندسة الفنيّة وفي المضامين التي اشتغلت عليها الرّواية وخاصّة موضوع التّعايش بين الأديان، وهناك مُقاربات نقديّة مُتعدّدة في هذا المبحث.

ما هو مشروعك الأدبي بعد هذه الرّواية؟

   مشروعي الأدبي بعد رواية " حمّام الذّهب " طبعا هو الرّواية الثّالثة في مشروع: الأديان والمكان. في هذه الرّواية الجديدة أروي سيرة ضابط إسباني في المُشاة البحريّة الإسبانيّة فرّ من نظام فرانكو نحو ميناء بنزرت بتونس رفقة الآلاف من الإسبان أيّام محرقة الحرب الأهليّة الإسبانيّة. فلئن كان مصيرُ أغلبيّة الهاربين التشرّدَ والموتَ والضّياعَ في الصّحراء والبحار فإنّ هذا الضّابط برمزيّة روح المسيح وبإرادة خارقة وبوجع قصّة حبّه لفتاة غابت عن حياته في ظروف مُؤسفة استطاع أن ينحت معجزة إنسانيّة فريدة يغمرها التحدّي وتُحرّكها المحبّة والتّعايش والانتصار للإنسان أينما وُجد بلفت النّظر عن ثقافته ودينه.