حوار مع شهد الراوي المرشحة في القائمة القصيرة

16/04/2018

متى بدأت كتابة رواية "ساعة بغداد" ومن أين جاءك الإلهام لها؟

لا أتذكر متى أخذت تتشكل الرواية في رأسي ومتى أصبحت جاهزة للكتابة . في كل مرة ألتفت فيها نحو طفولتي، ثمة صوت داخلي يدعوني لكي أكتب وكنت دائمة التأجيل كمن يتهرب من مهمة. أنا بطبيعتي كسولة ولا أجيد البدايات. صادف أنني في أحد أيام خريف ٢٠١٤ قررت أن أجلس وأباشر الكتابة. لم تكن لدي فكرة جاهزة عن طبيعة المغامرة التي أنا بصددها. تجاوزت البداية بسهولة ثم راحت الأحداث تستدرجني كما لو أن حاجزا تهدم بيني وبين رواية موجودة في مكان ما وعلي إنزالها على الورق، هل تسمين هذا إلهاماً؟!

هل استغرقت كتابة الرواية مدّة طويلة؟ وأين كنت تقيمين عند إكمالها؟

استغرقت أكثر من سنة ونصف السنة وكتبتها بين دبي والسليمانية في العراق. 

لماذ جعلت الشخصية الرئيسية في الرواية وراويتها طفلة؟

نحن نأتي إلى هذه الحياة أطفالاً ، تبدأ دهشتنا الأولى من هناك ، وأنا شخصيا أعد طفولتي أفضل (الأمكنة) التي تمنحني الأمان . استثمرت سذاجة اللغة لدى هذه الطفلة وأسست من ثرثرتها محلة وشخوصا وخيالات وأحلاما ثم طرحت على لسانها أهم الأسئلة التي بني عليها تطور الرواية.

لقد أوهمت القاريء بأنه يستمع حقاً لطفلة لا تريد أن تتوقف عن الكلام تخلط الحقائق بالأوهام وترسم من المكان سفينة ثم تتحدث إلى الطيور والقطط، تبتكر قبطانا وتحاوره لكي نصغي له نحن. استعادة الطفولة أو الذهاب إليها مهمة شاقة أتعبتني شخصيا وأربكت الكثير من القراء الذين جاؤوا إلى الرواية من توقعات مسبقة . لقد مهدت هذه الطفلة لكل الأحداث الغرائبية التي حصلت في الفصل الثاني وجعلتها مقنعة، كما أن فصل المستقبل كله ما كان له أن يتحقق دون هذه السذاجة الماكرة .  


 Khéridine Mabrouk / IPAF ©

تقول الشخصية الرئيسية: "أين ذهب ذلك الوضوح القديم...في الطفولة، نحن نرى الأشياء كما هي بدرجة وضوحها العالي، نعيشها عن قرب كأشياء حقيقية" (ص. 192). ما أهمية الطفولة في الرواية؟  

شكرًا لأنكِ توقفتي عند هذا المقطع الذي بدا عابرا  في الرواية، والذي أخذت عنه اسم الفصل الأول منها .  هذه مسألة شغلتني طويلا بالفعل ، كنتُ دائما أفكر بعلاقة الكلمات التي ننطقها بالأشياء التي تظهر لنا في الواقع . في طفولتنا عندما يقال لنا هذه (شجرة) فإننا نشعر حضور هذه الشجرة بكل قوة وجودها ، كما لو أننا نراها ونتلمسها ونشمها ونتذوقها ونسمع حفيف أوراقها دفعة واحدة . وربما هناك حاسة إضافية لا نعرف لها إسماً تجعل من هذه الشجرة شجرة طاغية في حضورها . بعد أن تقدمنا في العمر وتشكلت علاقتنا الملتبسة باللغة عبر المناهج المدرسية، صارت الكلمات  أكثر حضورا من الأشياء . يقال لنا ضع كلمة شجرة في جملة مفيدة . هنا تكون ( الجملة المفيدة ) أكثر أهمية من الشجرة نفسها ، لذلك قلت في مكان آخر من الرواية؛ إن الأسماء تفقد قيمتها عندما نضعها في جملة مفيدة . في هذا الأمر تحديدا ، تكون العودة الى الطفولة مهمة لإعادة الاعتبار الى جوهر الأشياء . بحكم التكرار في اللغة أصبحنا نبتعد عن البيئة التي نعيش بداخلها . صرنا نعيش في عالم من الكلمات

نجد في الرواية الخوف من محو الماضي ومفاجآت المستقبل، وتقول إحدى الشخصيات: "الماضي للذين يخافون من المستقبل هو الكهف الرحيم الذي يلجأ عليه الناس عندما ينفرون من قسوة الحاضر" (ص. 152). ما هو دور الذاكرة في الرواية والمجتمع بشكل عام؟

 كما ذكرت في أحد مقاطع الرواية ، أن كل ما حدث في الماضي قد حدث فعلا ، لذلك فهو لا يعدنا بأي مفاجآت ، أصبح زمنا مستعملا وآمنا في نفس الوقت . وفي ظروف مثل ظروفنا فإن المستقبل يحمل من المخاوف أكثر مما يحمل من الأخبار السارة . من كثر الأحداث غير السارة التي توالت علينا أصبحنا قليلي الثقة بالمستقبل . في حياة كل جيل هناك زمن ما يسمونه الزمن الجميل وليس بالضرورة أنه كان زمنا جميلا بالفعل ولكنه زمن كانوا يعيشون فيه حياتهم دون تحمل مسؤوليته ربما . كلما تشتد قسوة الحياة علينا نهرب بذكرياتنا إلى هناك ، وهذه الذكريات بدورها لديها آلية غامضة لتعمل مونتاجا تستقطع كل ما هو مزعج وتلون الماضي بألوان مبهجة . هي خدعة سينمائية أيضا . خدعة رائعة نعيشها كحقيقة .  أنا هنا أتحدث عن ذاكرة شخصية ولا أعرف شيئا عن عمل الذاكرة الجماعية ، لا أدري لماذا يردد العراقيون مثلا أن عقد السبعينات هو الزمن الجميل بالنسبة إليهم ، كما لا أعرف حنينهم الغامض إلى العهد الملكي أو سواه .  

"اللهجة هي المستودع الأخلاقي والموجه السلوكي للناس، عندما نتخلى عنها نخسر ذواتنا وتتشوه مشاعرنا" (ص. 158). هل لك تعليق؟

 كثيرا ما نسمع بعبارة (اللغة الأم) للفرد ، والتي من خلالها يتطور وعي هذا الفرد بالعالم وتتشكل عبرها رؤيته للوجود . وهذه اللغة هي تحديدا ما نسميه (اللهجة) التي تودع فيها المعرفة الأولية ونظام القيم والثقافة بمعناها اليومي وهي لغة أكثر حيوية وقابليتها على التطور والنمو تفوق كثيرا اللغة الرسمية التي نتعلمها في المناهج المدرسية . لأن اللهجة تخلق بدائل يومية وتبتكر اصطلاحات مرنة تسمح بمرونة تواصلية عالية . 

ومن خلالها تعبر المجتمعات عن نظامها الأخلاقي والقيمي . نحن نعيش يوميا بلهجتنا ونحلم بها أيضاً .

هل عمو شوكت مبنية على شخصية خقيقية كنت تعرفينه؟

عمو شوكت ربما هو حاصل جمع شخصيات عديدة صادفتها في حياتي . أو ربما هو تصوري الأول عن جيل الآباء الذين تعرفت عليهم في طفولتي . هو شخصية عراقية نموذجية يمكنك اللقاء بها كثيرا في بغداد مثلا . قد لا يحيل عمو شوكت الى شخصية خارجية و لا يذكرني بشخص ما بعينه ولكنني أعرفه جيدا وأحبه كما لو أنه ليس مجرد شخصية روائية . عندما انتهيت من كتابة الرواية وأغلقت جهاز الكومبيوتر شعرت بأنني غادرت عائلتي الحقيقية وكان عمو شوكت هو أكثر شخص اشتقت له فيها . أنا أشتاق له حتى هذه اللحظة أتمنى أن أصادفه في الواقع وأمد له يدي كي يطبع عليها ساعته . 

أنا أعرفه جيدا ، صدقيني حتى إنني أشتاق له فعلا .

أين كنت وقت الإعلان عن القائمة القصيرة وماذا كان رد فعلك؟

كنت في البيت مع أمي وأختي ومجموعة من الصديقات .كنا بالطبع ننتظر لحظة إعلان القائمة القصيرة . مرت الدقائق بطيئة ، انتابني شعور عميق بضرورة أن يظهر إسم "ساعة بغداد" ، كنت أريد أن أرى الفرحة على وجه أمي . لقد توقعت دموعها التي هي صديقة أفراحها النادرة  . وحدث بالفعل ما توقعته،  رأيت في وجهها سعادة مبللة بالدموع ، سعادة لا يمكن احتواؤها . كان يوما رائعا في حياتي