حوار مع أحمد عبد اللطيف المرشح في القائمة الطويلة

14/02/2018

متى بدأت كتابة رواية "حصن التراب" ومن أين جاءك الإلهام لها؟

شغلتني فكرة "حصن التراب" منذ ما يقرب من عشرين عامًا، هو الوقت الذي بدأتُ فيه دراسة الأدب الإسباني وتاريخ إسبانيا منذ القرون الوسطى وحتى القرن العشرين. كان ملفتًا جدًا أن المصادر التاريخية عن الموريسكيين نادرة، وأن تاريخهم الحقيقي لا يملكه إلا قاهرهم، أقصد الملوك الكاثوليكيين ومن تبعهم حتى طرد الموريسكيين النهائي. منذ ذلك الحين، كنت مشغولًا بالأقليات الدينية، وكيف يمكن أن يدفعوا اثمان غاليًا لا لشيء إلا لمعتقدهم الديني. لقد بدأت أقرأ في التاريخ عن فترة الأندلس من الدخول العربي وحتى الطرد النهائي في القرن السابع عشر، من دون أي نية لكتابة رواية. ثم لاحظت أن لحظة طرد الموريسكيين لم تكن  منفصلة أبدًا عن وضع العالم العربي الحالي، ولم يكن الوضع الحالي إلا تكرارًا لأحوال ملوك الطوائف والصراع على السلطة. وأثناء الصراع على السلطة، كان التخلي عن الأقليات واضطهادها أحد الإجراءات المتبعة. وعلى مهل، بدأت تتكوّن أفكار الرواية دون أن أشرع في كتابتها. ثم جاءت ثورات الربيع العربي، وبشكل مفاجئ بدأتْ فكرة الرواية تتسع، وبدأ التاريخ يكرر نفسه على أكثر من مستوى، لتدفع الأقليات الثمن. بدأت أفكر أن الثورات العربية التي خرجت من أجل الحرية، عادت بقمع أكبر، وباتت الأقليات الدينية في المرمى، مثلهم مثل الموريسكيين تمامًا. وفي عام 2014 بدأت في كتابة "حصن التراب" وبعد أشهر قليلة هاجرت إلى إسبانيا، وهناك زرت كل المدن التي عاش فيها الموريسكيون، مثل غرناطة، جيان، طليطلة، مدريد، إشبيلية، كوينكا، قرطبة، وغيرها. وعشت في كل مدينة لعدة أشهر قبل أن يستقر بي المطاف في مدريد. وهناك اطلعت على أرشيف محاكم التفتيش وعلى المراجع التاريخية التي ساعدتني على تخيل مكان وزمان الرواية. ولأن السلطة عادة ما تكتب التاريخ، فكرتُ أن أكتب رواية على لسان المهزومين أنفسهم، على لسان البشر العاديين الذين اشعر بأني أنتمي إليه. 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هل استغرقت كتابة الرواية مدّة طويلة؟ وأين كنت تقيم عند إكمالها؟

استغرقت كتابة الرواية ما يربو على ثلاث سنوات، يسبقها فترة التجهيز للكتابة من قراءات تاريخية مكتوبة بالإسبانية في معظمها، ورافقها زيارات ميدانية للمدن التي أشرت إليها. خلال هذه الفترة، قرأت ما يقرب من 100 كتاب تاريخي او مرتبط بالتاريخ، وقرأت مخطوطات محفوظة في أرشيفات نفس المدن، مثل ارشيف مدينة كوينكا، وقضيتُ أوقاتًا طويلة في الشارع، أتجول في شوارع المدن وأتعرف على أهلها، وأجلس في مقاهيها لأكمل القراءة أو لأبدأ في كتابة فصل جديد. الملفت أني استفدت ايضًا من كتب في اللغويات، كانت تتناول اللغة التي تحدثها الموريسكيون خاصة عند انتقالهم لمدن مثل تطوان، وكيف شعروا بهويتهم الممزقة وبالرفض من كل الجماعات (في إسبانيا أولا وفي المغرب ثانيا). كتبت هذه الرواية، إذن، ما بين طليطلة وكوينكا وحصن التراب وغرناطة ومالقا.

كيف استقبلها القراء والنقاد؟

أعتقد أن "حصن التراب" أكثر رواياتي التي لاقت حفاوة من القراء والنقاد، وأشار الكثيرون منهم إلى التجديد في السرد، وخاصة تطعيم الرواية بلينكات موسيقية ووثائقية في تضافر للسردي والمرئي والمسموع،  لكنهم أشاروا ايضًا إلى عدم التورط في التوثيق والقدرة على صنع رواية تاريخية تنحاز للتخييل. في هذا السياق، كانت مقالات النقاد شاكر عبد الحميد وصلاح فضل وطارق إمام ولنا عبد الرحمن وغادة نبيل، مقالات قادرة على التفاعل مع العمل وكتابة نص نقدي موازٍ للإبداع. كما التفتوا بقوة للعمل باعتباره رواية ثقافية تسائل الثقافة العربية الآن حتى لو كانت في ظاهرها تتناول قضية الموريسكيين. ومن جانبي، أظنها أنها الرواية التي استطعت أن أبلور فيها قلقي حول الموت من ناحية، وحول الأقلية الدينية في ظل تصاعد التطرف الديني من ناحية أخرى

ما هو مشروعك الأدبي بعد هذه الرواية؟

أعمل منذ الانتهاء من كتابة حصن التراب في عمل روائي جديد يطرح أسئلة حول السلطة والثورة، وأحاول من خلاله، بوسائل فنية وجمالية، تناول الراهن العربي ورصد أزماته. تتقاطع الرواية الجديدة مع قصة خلق العالم، ولن يغيب عنها البعد التأريخي، وتسعى لمعرفة الإنسان العربي بكل تعقيداته ومآسيه. هو قصة عن الآن، بكل ما فيه من ارتباك وخوف ووساوس، لكنه أيضًا قصة الماضي البعيد.