حوار مع محمد حسن علوان المرشح في القائمة القصيرة

20/04/2017

أين كنت عندما تم الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة؟ وماذا كان رد فعلك؟

كنت في مكتبي المنزلي بمدينة تورنتو أمارس أعمالي المعتادة عندما بدأت رسائل تهنئة تصلني عبر مواقع التواصل الاجتماعي تبارك لي الترشح للقائمة القصيرة. سعدتُ بذلك بطبيعة الحال وحرصت على التأكد من الخبر من مصادره الرسمية. أخبرت مجموعة من الأقارب والأصدقاء بذلك ثم بدأت أجيب على رسائل التهنئة.

ماذا يعني لك ترشيح روايتك "موت صغير" في القائمة القصيرة، بعد ترشيح "القندس" في القائمة القصيرة للجائزة عام 2013 وفوزها بجائزة المعهد العالم العربي بباريس لأفضل رواية عربية مترجمة إلى الفرنسية لسنة 2015؟

لمست بنفسي الآثار الجيدة للترشح عام 2013 ولذلك كنت سعيداً بتكرار التجربة.  قائمة البوكر القصيرة تمنح الرواية الظهور الذي تحتاجه لتلفت انتباه الناشرين والمترجمين والقراء من أطياف متعددة وهذا مفيد جداً. بسبب الترشح للقائمة القصيرة عام 2013 انتبهت دار النشر الفرنسية (سوي) للرواية وقررت اختيارها للترجمة ضمن خط نشر لا ينشرون من خلاله إلا رواية عربية واحدة كل سنة. أتمنى لرواية "موت صغير" حظاً كهذا وأوفر.

ما هى الكتب التى تقرأها الآن؟ ومن هم الكتاب الذين أثروا فيك كروائي؟

أقرأ كتباً عن تاريخ الشرق الأوسط القريب في محاولة لصناعة تصورات زمانية ومكانية كافية للشروع في كتابة رواية جديدة.  أما أهم الكتّاب الذين أثّروا فيّ فإني غالباً ما أحاول تجنب ذكر أسماء محددة لسبب بسيط: أني لا أعلم على وجه التحديد نوع التأثير وحجمه. كثيرون يخلطون بين الكتّاب الذين يعجبون بهم والذين أثّروا فيهم فعلياً. رب إعجاب بلا تأثير وربّ تأثير بلا إعجاب.  كاتبٌ مغمور قرأت له وأنا طفل قد يكون ترك في داخلي أثراً دائماً للكتابة حتى أنا لم أنتبه له.  

ما هو الدافع الرئيسي وراء كتابة "موت صغير"؟ هل كان يتعلق باهتمامك بالصوفية أم بشيء آخر؟

لم يكن الفكر الصوفيّ نفسه هو الدافع وراء كتابة الرواية بل شخصية محيي الدين ابن عربي النزاعة للرحيل بنوعيه: المعنوي والجغرافي.  لقد رحل ابن عربي رحيلاً روحياً ليعيش حياة مختلفة عما كان يراد له وهو حري بها. وكذلك رحل رحيلاً جغرافياً واسع المدى رغم عدم اضطراره لذلك مدفوعاً بقلقٍ وجوديّ عاصف.  هذه الجانب من شخصيته أغراني بالكتابة عنه أكثر من تصوفه نفسه.

قلت في حوار سابق: "كاد البطل يكون الرحيل نفسه". ويقول ابن عربي في الرواية: "لا بدّ من السفر كي نستجلب العبر. والمؤمن في سفر دائم. والوجود كله سفر في سفر." ماذا تعني/يعني؟

الرحيل في الرواية ليس مجرد حدث بل جزء من البنية الرئيسة للرواية. كل شيء يحدث في الرواية له ارتباط بهذه البنية بشكل أو بآخر. هذه نيّتي الفنية ككاتب وأنا أكتب. وهي نيّة تبلورت من استلهامي لشخصية ابن عربي وظروف حياته. فلننظر إليه وهو يقرّ بأن الوجود هو السفر والسكون عدم. ابن عربي كان يتماهى مع الوجود كما يتخيله. وأنا تماهيت معه كما تخيلته.   

كيف تختلف علاقتك مع بطل هذه الرواية عن علاقتك بأبطال أعمالك السابقة، وكيف شعرت عند الانتهاء من الكتابة؟ ما هي الصفة في ابن عربي التي أعجبتَ به أكثر؟

هذه أول مرة يكون بطل روايتي شخصية حقيقية. هذا جعلني أكتب بحذر أكبر محاولاً أن أجعل من خيالي متمماً للمجهول من سيرته لا لاغياً أو مشوهاً لها. ولهذا اضطررت أن أقرأ عنه كل ما كَتَب وكُتِب عنه لأرسم في ذهني أدق صورة تاريخية عنه قبل أن أبدأ في تشكيلها سرداً.  هذا جهدٌ ذهنيّ كبير جعلني أشعر بالفراغ عندما انتهت الرواية. فيم سأفكر بعد اليوم وقد تحول ابن عربي من هاجس مصاحب إلى كتاب مطبوع؟  

بالنسبة للإعجاب يجب أن أوضح أني قرأت عن ابن عربي وكتبت عنه بعين نقدية تحاول أن تكشف عن ضعفه وقوته، شكه ويقينه، وجميع حالاته الإنسانية.  لم أركز على ما أعجبني فقط، ولم أصنع له هالة أسطورية في ذهني كما يفعل مريدوه لأني أظن أني سأفقد الكثير من مصداقية الكتابة لو فعلت.  ولكني على كل حال لا أخفي إعجابي بتمرده على الإطار الاجتماعي الذي كان مهيّئاً له من أجل حلمٍ لم تكتمل ملامحه بعد. ابن عربي فعلاً كان يتبع قلبه ولهذا خطر لي أن أبتكر هذه العبارة التي تكررت في الرواية: طهّر قلبك ثم اتبعه.  

ما أهمية البحث عن الأوتاد الأربعة بالنسبة لابن عربي وللرواية؟

لم يرد في التاريخ أن ابن عربي سافر بحثاً عن أوتاده وليس في التراث الصوفيّ أصلاً فكرة كهذه.  يوجد أوتاد أربعة في الأرض كما يقول المتصوفة، هذا صحيح. ولكنهم ليسوا مرتبطين بشخص ما. إنها إذن فكرة طرأت عليّ وأنا أكتب لتحقق لي أهدافاً فنية وسردية تبرر الرحيل الدائم لابن عربي.

هل الكتابة عن التأريخ هي الكتابة عن الحاضر، بصورة أخرى؟

لا أتصور كتابة لا علاقة بالحاضر. الكتابة التاريخية والمستقبلية كلها محاولات لتأطير الحاضر وفهمه في سياق ما مضى وما سيأتي. أي عمل لا يمس حاضرنا بشكل أو بآخر لن يقرأ. سيبدو وكأنه مكتوباً بلغة لا يفهمها أحد.