حوار مع ياسين عدنان المرشح في القائمة الطويلة
02/02/2017
متى بدأت كتابة رواية "هوت ماروك" ومن أين جاءك الإلهام لها؟
بدأت كتابة "هوت ماروك" في إقامة أدبية بالجنوب الفرنسي بمنطقة "الكوت دازور" خلال شهر مارس من 2011. كنت حينها قد تأذيت من بعض قُطّاع الطرق الإلكترونية الذين يعيثون في الفضاء الأزرق فسادًا ونيلًا من الناس. كنت أتساءل في نفسي: من هم هؤلاء الأشخاص المجهولون من ذوي الأسماء المستعارة الذين يسمّمون الأجواء الإلكترونية على الفيسبوك وفي مختلف المنابر التفاعلية على الأنترنت؟ ولماذا هم حريصون على تتفيه أحلام الخلق وإطلاق النار على كل من يتحرّك؟ كانت الظاهرة قد استفحلت في المغرب. لهذا قرّرتُ أن أشتغل عليها. هكذا استدرجتُ رحّال العوينة وجعلته بطلا لحكاية كنت أنوي إنهاءها خلال تلك الإقامة قبل أن أجد نفسي مورَّطًا في خيوطها وجيوبها ومتاهاتها السردية لمدة أطول مما تخيلت.
هل استغرقت كتابة الرواية مدّة طويلة؟ وأين كنت تقيم عند إكمالها؟
استغرقت خمس سنوات كاملة، حيث لم أنته منها إلا مع بداية سبتمبر 2015 في بروكسل بعدما خصّصتُ لفصولها الأخيرة عطلتي الصيفية كاملة. كانت إقامة أدبية مرتجلة نزلت خلالها ضيفا على أخي الشاعر طه عدنان الذي استقبلني في شقته ببروكسل. نستيقظ في الصباح، يذهب هو إلى عمله وأبقى وحدي في الشقة عاكفًا على الرواية. ولم أعد إلى المغرب ذلك الصيف إلا بعد أن أنهيتُ العمل. الطريف هو أن هذه الرواية التي تحكي عن مراكش وتحوّلات هذه المدينة ومعها البلد ككل خلال العقود الأربعة الأخيرة لم يُكْتَب منها ولو فصل واحد في مراكش. فإذا كنت قد بدأتُها في الجنوب الفرنسي وأنهيتُها في بروكسل، فإن أجزاء مهمة منها كُتِبت خلال إقامتين أدبيتين في أمريكا (واحدة في مونتالفو بكاليفورنيا والثانية في فيرمونت). في مراكش لم أكن أعرف كيف أواصل الاشتغال على العمل. كنتُ أحتاج نوعًا من المسافة مع المدينة لكي أكتبها بشكل أفضل. خصوصا وأن أحد الرهانات الأساسية للعمل هو أن أكتب عن مراكش، هذه المدينة التي كتب عنها صاحب نوبل إلياس كانيتي رائعته (أصوات مراكش)، وكتب عنها كلود أوليي (مراكش المدينة) وخوان غويتيصولو أكثر من رواية، فيما ظلت متمنِّعة على أبنائها مُستعصية عليهم.
كيف استقبلها القراء والنقاد؟
الاستقبال النقدي كان مُطَمْئِنا، فقد نشرت الصحافة العربية لحد الآن عددا من القراءات النقدية المشجّعة. شعب الفيسبوك من القرّاء يبدو متحمّسًا للعمل. أيضًا، أعترف أنني راضٍ عن تفاعل عموم القرّاء الإيجابي مع الرواية لحد الآن. فإلى جانب دار العين المصرية التي رشّحَت العمل، مشكورةً، للجائزة العالمية للرواية العربية، أصدرتُ "هوت ماروك" في طبعة محلية داخل المغرب. طبعة نفدت في أقل من أربعة أشهر لتُعيد الدار المغربية إصدار العمل في طبعة ثانية. وقبل أسابيع، اتصلت بي جمعية آباء وأولياء التلاميذ بإحدى ثانويات حيّ المسيرة الذي يدور فيه جزء مهم من أحداث الرواية يطلبون 40 نسخة من "هوت ماروك" من أجل نادي القراءة بالثانوية، حينها اكتشفتُ أن الموزع لم يعد يتوفر على نسخ، فيما بعثَتْ لي دار النشر آخِرَ عشرين نسخة تبقّت لديها من الطبعة الثانية. حدث ذلك قبل أن يُعْلَن عن الرواية ضمن القائمة الطويلة للجائزة. اليوم أنتظر معرض الدار البيضاء الدولي للكتاب بفارغ صبر، لتدخل نسخ دار العين إلى المغرب، ذاك أنّ قرّاء جددًا بدأوا يسألون عن الرواية بعد إعلان قائمة الجائزة الطويلة ولا يجدون نسخًا في المكتبات المغربية.
ما هو مشروعك الأدبي بعد هذه الرواية؟
أعكف حاليا على مشروعين أدبيين لهما علاقة دائما بمراكش. أنطولوجيا قصصية تحت عنوان "مراكش نوار" أسهر على تحريرها لفائدة دار نشر أكاشيك الأمريكية. وهو تحدّ حقيقي بالنسبة لي، لأن تقليد القصص البوليسية ليس دارِجًا في ثقافتنا المغربية. لذا كان عليَّ أن أبذل مجهودا كبيرا لإقناع أدباء مراكش بكتابة قصص سوداء. وأدباء المدينة بالمناسبة مستعدون للكتابة عن أسرار مدينتهم. عن أحلامها. عن فضائحها. لكن ليس عن الجرائم. ربما لأن المدينة منذورةٌ للفضائح أساسًا. وأهلها لا يملّون من استعادة الفضائح لأنّهم يعشقون الحكايات. فيما يرصد الكتاب الثاني الأماكن الدّارسة بمراكش. وقد دعوتُ له أدباء مراكشيين من مختلف الأجيال على أساس أن يُراوِد كل واحد منا ذاكرتَهُ عن مخزونها ونبدأ لعبة الاسترجاع فنتذكّر بعض معالم المدينة التي فقدناها خلال العقود الأخيرة. كل منا اختار معلمة ما. سينما قصدها لأول مرة وهو دون اليفاع، مسجداً أو زاوية، مقهى أو حانة، حديقةً صغيرةً أكلها الإسمنت، فضاءً ارتبط به بشكل خاص في فترة الطفولة أو أيام الشباب. هي محاولة لاستعادة معالم المدينة التي ضاعت منا أو تلك التي تتبدّد بالتدريج، ولو عبر التذكر والحنين.