حوار مع عبدالكريم جويطي المرشح في القائمة الطويلة

07/02/2017

متى بدأت كتابة رواية "المغاربة" ومن أين جاءك الإلهام لها؟

كنت دوما منشغلا بسؤال ما معنى أن أكون مغربيا، سؤال الهوية. ذات يوم والعمال بصدد حفر أساسات مشروع مكتبة عمومية (كنت يومها منذوبا لوزارة الثقافة) عثروا على عظام آدمية. كان علينا، أنا وممثل السلطة المحلية، أن نكتب تقريرا عنها لوكيل الملك الذي سيعطي أمر دفنها مجددا في المقبرة. وهو يكتب التقرير كنت اسأله ممازحا: في أي مقبرة سندفنهم ونحن لا نعرف ديانتهم فقد تعاقب هنا اليهود والمسلمون والمسيحيون؟ هل مات هؤلاء ميتة طبيعية أم قتلوا؟ ولماذا هناك جماجم بدون هياكل عظمية؟ كان لهذه العظام مفعول السحر علي، نغصت علي نومي عدة ليالٍ. وألقت بي في يم التاريخ. قضيت أكثر من ست سنوات وأنا أقرأ مصادر التاريخ وكتب الرحالة والمناقب والكرامات والفقه، وكل ما يتعلق بتشكل المغرب ككيان. كنت أبحث عن ثوابت هذه الهوية المتحولة، عن هذا التاريخ الذي يتردد بداخلي، عن أصوات الموتى التي تتلبس صوتي، وعن حركاتهم وهي تصحو في حركاتي، لم أتعامل مع الماضي كشيء انقضى، بل كسؤال يؤرق الحاضر. وأنا أقرأ كنت أدون نصوصا وأفكارا وملاحظات في جذاذات هي التي صارت، في معظمها، شذرات العسكري وهو يهذي حول المغرب والمغاربة. إلى جانب هذا والرواية هي إمبراطورية الريبة، كما قال غويتيسولو، ولأنها متشككة ومقوضة فقد كنت في حاجة لأخوين: معطوب حرب وأعمى .كنت في حاجة لحالات تراجيدية لأضع اليد على ما يذوي، ما يمزق، ما هو معتم في هوية عملت يد حاذقة على بناء ما ينبغي أن يتذكر فيها وما ينبغي أن ينسى. كنت في حاجة لهما لأتحدث عن هؤلاء الموتى أحياء، لأتحدث عن العجز، وخصوصا عن هذا العمى الذي يغلف كل شيء ويجعل شعوبا ترتطم يوميا بالمآسي.

هل استغرقت كتابة الرواية مدّة طويلة؟ وأين كنت تقيم عند إكمالها؟

رواية "المغاربة "عمل سبع سنوات متواصلة من البحث والاستقصاء. كتبت خلالها الفصل الثاني والثالث ومعظم شذرات العسكري، وبعد اكتمال الرؤية والبناء بدأت كتابتها في صيف 2015  (بداية يوليو) لأنني لا أكتب إلا حين تشتد الحرارة. أنهيتها أواخر شهر أكتوبر. كنت أعمل من الخامسة والنصف صباحا إلى الثانية أو الثالثة بعد الظهر.

كتبت رواية "المغاربة" في بستاني الصغير الذي يبعد عن المدينة ب 12 كلم. هنا اخترت الإقامة بشكل دائم. لا جيران لي إلا الحقول المترامية والأشجار وبعض الرعاة والفلاحين المنهمكين في أشغالهم. يسمى المكان الخرواع وهو سهل على مرمى حجر من الجبل. و قد منحني المكان الهدوء والسكينة التي تحتاجهما الكتابة، ومنحني على الخصوص تلك العزلة التي تنضج كل كتابة طموحة.
كيف استقبلها القراء والنقاد؟

حظيت رواية المغاربة منذ صدورها باحتفاء كبير ومدهش من الكتاب والنقاد والقراء. كتبت عنها عشرات المقالات، وقيلت فيها أوصاف أخجلتني (رواية كبيرة، مذهلة، استثنائية، عالمية..) لكن ما سرني أكثر هو الثناء الذي حصلت عليه الرواية من مؤرخين وجغرافيين كبار وسنماءيين وصحافيين وسياسيين. أعتقد أن مقاربة سؤال الهوية روائيا وبجراة غير مهادنة إلى جانب احتواء الرواية على معرفة واسعة بجينيالوجية تشكل المغرب لعبا دورا كبيرا في هذا. الرواية تقرأ وحاضرة بقوة في أوساط التواصل الإجتماعي. قراء كثر قرأوها ويدعون آخرين لقراءتها.                   
ما هو مشروعك الأدبي بعد هذه الرواية؟

يشغلني أمر إخفاق التغيير في المغرب وفي العالم العربي، فكلما لاحت بشائر عهد جديد سفهتها الوقائع. لدينا الماضي يستعيد دوما المستقبل، هذا هو موضوع روايتي القادمة التي ستدور في الجبل وأزمنتها متداخلة. سأكتب عن موضوع التغيير مجسدا في صراع قبائل جبلية. أحتاج لسنوات قادمة لكتابة نص ملحمي فيه أحداث متداخلة وعشرات الشخصيات.