حوار مع وليد الشرفا المرشح في القائمة الطويلة

12/02/2018

متى بدأت كتابة رواية "وارث الشواهد" ومن أين جاءك الإلهام لها؟

بدات كتابة الرواية في شهر سيبتمبر من العام 2013، لم يكن الهاما مفاجئا ، بل كانت عملية تخييل متواصلة منذ انهيت روايتي ، الثالثة : القادم من القيامة التي بدا وعيي العميق بها منذ كنت في الولايات المتحدة عام 2005 ، استمر التخييل وعمليات تقمص الحكاية المستمدة من صدمة وفجيعة وتجربة عامة وليست بعيدة عن التجربة الخاصة،  بدات بالعودة الى خزان الطفولة ، لقد رافقت والدي الى نابلس مرة في طفولتي في الى نابلس وكنت للتو قد تعلمت القراءة بالفعل، قبل الوصول الى نابلس شاهدت هذا القبر المنزوي عند جانب الطريق الى نابلس ، وكان وقتها طريقا ملتوية صغيرة ، سالت والدي عن هذا القبر المهمل مكسور الشاهد وعليه عبارة " الشهيد المجهول " شعرت بالخوف من فكرة الموت البعيد والمجهول وظل القبر يكبر معي ، حتى تمت ازالته عندما وسع الاحتلال الطريق بمحاذاة معسكر قريب من المدينة شعرت بوحشة اكبر، تورطت في الشواهد وفي اللغة المكتوبة عليها .

بعد استشهاد مراد ابن عمي ورفيق دربي منذ الطفولة حتى استشهاده عام 1990،  ذقت طعم الموت والوحدة فقد خسرت نصفي الثاني الى الابد ، وشممت قلب القبر مبكرا عندما تم انتشاله من قبره بعد يومين من استشهاده ، قررت  ان مشروعي في الحياة سيتركز على الجهد الابداعي منذ عام 1991 عندما نشرت روايتي الاولى " محكمة الشعب" ، التي اهديتها لروحه ، وقررت انني ساختار دراسة الادب والفلسفة منذ وقت مبكر .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بعد نحو ثلاثين عاما ، اصطحبت طفلي الصغير وقد كنت في رحلة علاج صعبة دخلت بموجيها من القدس الى حيفا ، مع صديق من حيفا، اصطحب معه طفله ، وكان في عمر طفلي نحو خمس سنوات ، في الطريق داخل حيفا سارت وراءنا مركبة عسكرية اسرائيلية ،بدا طفلي بالتململ والخوف باد عليه ، تقدم براسه نحوي وهو خائف وهمس في اذني : جيش !

التفت نحو الطفل ابن صديقي صارخا : جيش ، قال الطفل بهدوء شو يعني!!تملكني حيرة من نوع غريب ، كلاهما فلسطيني ، لكن المسافة بينهما بعيدة !

الالهام مرتبط بفجيعة الشعب الفلسطيني والويلات التي ذقتها شخصيا من هذه الفجيعة ، ولان الادب ليس بيانا معلوماتيا ، وقناعتي كانت دائما ان التجربة الشخصية والصدمة والقدرة على محاكمة الواقع والتاريخ سرديا ، تخصع لحساسية انسانية وحدس من نوع خاص ، راهنت على ذلك اولا ومن التراكم الثقافي .

الالهام بوارث الشواهد جاء من البحث عن لحظة حبكة مختلفة ، غير مفهوم الاقتلاع والتهجير الفلسطيني بالشكل البكائي الكلاسيكي ، الامر اصبح اكثر تعقيدا و تركيبا ، وتناقضا بين طمس هذا الوجود الفلسطيني في بعض المواقع ، وبين الابقاء عليه، كما حدث في عين حوض، التي لم تهدم وبقيت قرية للفنانين  الاسرائيليين . وكان جمالها الغريب وعلاقتها بالجبل والبحر والسهل مفجرا لماساة اعمق لمعنى الفقدان . وبالتالي انتاج مختلف لمفهوم العودة الفلسطينية او الرجوع.

الاكثر تعقيدا ؛ ان الثنائيات البسيطة تعقدت الى ثنائيات داخل الفسطينيين انفسهم  وداخل الاسرائيليين كذلك ، الاخطر والاكثر انسانية الذي كان يلح على من زاوية التخيل، هو الروايات الدينية وكيف يمكن لها ان تلقح العقل تمهيدا للقسوة والعنف ، لذلك كانت رسالة السرد هي رفض" الاصوليات الربانية" والانتصار لتجربة الانسان ، الفلسطيني ، الذي دفع ثمن هذه الروايات بشكل مؤلم والصور في الرواية توضح صور الالم ، التي خضعت لتجربة اكثر من تحصيل علمي. لذلك كانت شخصية الوحيد السارد الاكبر في النص شخصية اليتيم البريء ، من جهة ، ودارس التاريخ المتعمق في تعدد الروايات من جهة اخرى ، انه الهام يشبه التهاب المرض ووعي الطبيب ، لذلك كان الالهام بنقيض معرفي ؛ الفرق بين الحالة والرواية ، والفرق بين المختبر والاحلام ، لذلك كان الوعي والالهام مرتبطان بمفارقة تعدد وجوه النصوص والحقائق ، اعتمادا على فكرة التلقيح بين اللغة والتلقيح العضوي.

لذلك كان العنوان حول الشواهد بصفتها الحجارة الاكثر انسانية  والتي تتبادل الخلود مع صانعيها ، في محاولة لتكثيف معمق حول العلاقة المادية والرمزية للانسان بالمكان وبذاته وبالاسطورة.

كانت عين حوض القرية الباقية حتى الان مصدرا للالهام ، بجمالها وتمزقها بين انسانين وتاريخين . لطرح سؤال المصير في المستقبل، ليس للفلسطيني وحده بل للانسانية جمعاء ، لذلك طرحت الرواية تخييلا فكرة الدين الجديد ، الذي يتوجس من الروايات الدينية كلها . وبالتالي الاشتباه بمفهوم الحقيقة نفسه.

هل استغرقت كتابة الرواية مدّة طويلة؟ وأين كنت تقيم عند إكمالها؟

استغرقت الكتابة نحو اربع سنوات ، كنت خلالها مقيما بين مدينتي رام الله ونابلس ، عشت خلالها تحت ثقل شخصية الوحيد حتى انها اثرت على سلوكي اليومي والاكاديمي ، تحت وطاة ان الماساة حاضرة، لكن الابداع يكمن في تقديم حالاتها بتفاصيل يومية ترى ولا تستفز كان هاجسي كتابة مكثفة توحي وتدفع نحو مناطق مظلمة في التجربة، اكثر من كتابة تقدم معلومات تاريخية.

كيف استقبلها القراء والنقاد؟

كانت ردة فعل القراء سريعة جدا ، ظهر ذلك عند الاشهار عن الرواية بعد فترة قصيرة من نشرها ، القراء كانوا: طلبة ، اساتذه ، اناس مهتمون بالادب واناس غير ذلك ، الامر الذي احبتته هو، تكرار كلمة مختلف، من ناحية السرد ، خاصة صيغة المستقبل: ٍ" س "وكذلك الانتقال السلس بين شخصيات معقدة ومتحولة، وكذلك مقولة احد القراء: اول مرة اقرا رواية عن الروايات! احدى القارئات قالت: منذ زمن لم يقرا الانسان رواية تجبره على البكاء. كانت هذه الردود مثار عزاء كبير من ناحيتي ، لاني اكتب لانسان اكثر مما اكتب لناقد.

اما النقاد ، فقد ثار الجدل منذ اللخطة الاولى لنقاش الرواية في متحف محمود درويش ، بين هل هي صوفية ، ام غير ايمانية ، كان السرد والتناوب بين اللوحات السردية اكثر مما اثار النقاد ، تجلى ذلك بقراءات مفارقة لبعضها البعض نشرت في صحف عربية وفلسطينية . بعضها تحدث عن التاريخ والبعض الاخر عن الحكاية والبعض عن التناص ، ناقد كتب عن الالوهية في الرواية ، وكذلك كتب عن التناص .

كتب الناقد الكبير وليد ابو بكر عن " الهوية الوطنية " في الرواية في جريدة الغد الاردنية وفيها قراءة لمفهوم التحول في الادب الفلسطيني بين الاجتماعي والروائي والوطني بتحليل مطول لانظمة السرد والمعنى في الرواية واعتبرها من اهم ما نشر بعد اوسلو  ، وكتب الشاعر والناقد عمر شبانة عن الصراع بين حكايتين في الرواية ، في جريدة الحياة في لندن، وكذلك كتب الناقد عبد الرحيم الشيخ حول رهانات السرد الممكن لوارث الشواهد في جريدة الايام الفلسطينية وهي نواة لدراسة اكاديمية تركز على المغامرة السردية في الرواية ومرافعاتها المختلفة وقسوة الحالات مقارنة بما عرف من السرد الفلسطيني ، من ناحية المضمون الديني كتب الباحث جمال ابو الرب ، حول النقض السردي لروايات الالوهية ، وفيها قراءة لمفهوم العنف المقدس وعلاقته بالالوهية " وفكرة الروايات الدينية كصور للالوهية في  محاولة "لارضنة"  الله  كتب بعض النقاد الشباب عن فكرة الاعجاز والاثم في الرواية ، في صحيفة العربي الجديد ، وفي صحيفة الحياة الفلسطينية ، نشرت دراسة دقيقة عن فلسفة الحجر والموت في الرواية في مجلة رصيف السورية  وتركز عن دافعية الوحيد للصراخ : اريد هذا الحجر.

كان هناك كثير من القراءات في مواقع التواصل الاجتماعي ، وصل الي ملخصا لقراءة معمقة تعدها الناقدة رزان ابراهيم نشر قسم منها على صفحتها ، القراءة شاملة للحكاية والرمزيات الكبرى في الرواية.

ما هو مشروعك الأدبي بعد هذه الرواية؟

تسيطر على فكرة تتجه نحو تكثيف أكثر، لكتابة رواية قصيرة ربما، أحاول الملم جوانبها بهدوء، في محاولة لتجاوز المغامرة في وارث الشواهد، وكان رهاني ومازال على المشروع الأدبي الجمالي للسيرة الفلسطينية " والإنسانية " بما يليق بها، وليس لدي مشروع غيره لا إبداعيا ولا أكاديميا. أحيانا تسيطر علي قراءة جديدة لظاهرة النقد الحدسي، غير المدرسي الأقرب الى الإبداع، أبحث عن روابط بين تشكل الصور أدبيا وفلسفيا وسينمائيا  وإعلاميا. مرتبطة بمعنى التناسخ نفسه.