حوار مع سعد محمد رحيم المرشح فى القائمة القصيرة

18/04/2017

أين كنت وقت الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة؟ وماذا كان رد فعلك؟

كنت أمر بفترة نقاهة بعد إجراء عملية جراحية. في ساعة إعلان النتائج تلقيت عدة اتصالات من ناشري؛ صاحب دار سطور، وكذلك من أصدقاء أدباء، يعلمونني بالخبر. قبل ذلك كنت في حالة ترقب، وأولادي كانوا متوترين قليلاً، أرى في عيونهم شيئاً من القلق. ولكن مع تأكدهم بأن روايتي دخلت في القائمة القصيرة بان عليهم الفرح، أما أنا فاستحوذ عليّ شعور بالسكينة والارتياح. وأعتقد أن هذه المناسبة منحتني طاقة إضافية للشفاء. 

ماذا يعني لك ترشيح روايتك فى القائمة القصيرة؟

يعني أن أواصل جهدي الإبداعي بجدية أكبر. فالجائزة لا تعني نهاية المطاف. سبق أن حصلت على جائزة الإبداع العراقية مرتين، وجائزة كتارا للرواية العربية لعام 2016. ومع كل جائزة كنت أشعر بأني في منعطف جديد، ونقطة شروع أخرى، وعليّ أن أثبت لنفسي أولاً بأني قادر على تطوير أدواتي في الكتابة ولغتي وأسلوبي وطريقة بنائي لعالمي الروائي مع كل عمل مضاف. وهذه مسؤولية جسيمة.

   بعضهم بعد الحصول على جائزة يصيبهم الغرور، أما أنا فأعيش قلقاً مضنياً مع سؤال؛ هل سيكون كتابي الآتي أفضل.

ما هي الكتب التى تقرأها الآن؟ ومن هم الكتّاب الذين أثروا فيك كروائي؟

انتهيت قبل أيام من قراءة رواية (باب الطباشير) لصديقي أحمد سعداوي. والآن شرعت بقراءة ما حصلت عليه من الروايات المرشحة في القائمة القصيرة للجائزة. تحت يدي الآن رواية (أولاد الغيتو) للروائي الكبير إلياس خوري، وهي رواية محبوكة ببراعة، وممتعة. وفي الوقت نفسه أقرأ من سلسلة عالم المعرفة الكويتية كتاب (الثورة بلا قيادات) لكارن روس. إلى جانب كتاب (التخيل التاريخي) للدكتور عبد الله إبراهيم.

   أما الكتّاب الذين كان لهم تأثيرهم على كتاباتي الروائية فهم لا يعدّون.. فالكاتب يتعلم حتى من الكتب الرديئة. وقراءة كل كتاب تترك أثراً ما في العقل والروح. ولكن على الكاتب أن يتجنب التقليد، ويعثر على صوته المتفرد الخاص. ويبقى بتقديري الشخصي أن أكثر من أثر بي من الروائيين هم كافكا، ووليم فوكنر، وكالفينو، وهيرمان هيسه، ونجيب محفوظ ، وجبرا إبراهيم جبرا، وماركيز.  

                                                                                    

هل محمود المرزوق مبني على شخصية حقيقية؟

ليس تماماً. قد تكون له قواسم مشتركة مع شخصيات عديدة التقيت بها في حياتي. غير أنه في النهاية شخصية متخيلة، ومركّبة. وما يجعله يبدو كما لو أنه عاش فعلا وخاض تجاربه ورحل مثلما صوّرته الرواية هو أسلوب الرواية في خلقه وتكوينه وإعطائه حرية الحركة على خلفية أحداث واقعية مر بها العراق خلال السنوات الخمسين الأخيرة. محمود المرزوق هو من جيل أنهكته أحلامه الوطنية الكبيرة، فخَبِر المحن والشدائد، وعانى من الاستبداد ومتاهة المنافي، لينتهي قبل مقتله محبَطاً يتنازع في روحَه قدرٌ من خيبة الأمل والسخرية والعدمية.

قام بعض النقاد بتصنيف رواية "مقتل بائع الكتب" ضمن رواية "التحقيق" التى تصدر عن العراق مؤخراً. هل تتفق مع هذا التصنيف؟

نعم، إلى حدٍ ما. (مقتل بائع الكتب) رواية بحث وتحقيق، وهي أوسع من ذلك أيضاً. فالبحث هنا لا يقتصر عن الجهة التي تقف وراء مقتل الشخصية الرئيسة فيها أي محمود المرزوق، وإنما، وقبل ذلك، عن تفاصيل حياة المرزوق وخفاياها، والمحطات الأكثر إثارة وخطورة التي مرّ بها. وهناك تحريات في تضاعيف الرواية، وحفر، في محاولة لملامسة الجذر في ما وصلنا إليه، والعلة التي تقف وراء مصائبنا.

   تصل الرواية إلى ما لا تستطيع بقية العلوم والمعارف والفنون الوصول إليه، وهي تمثّل في الغالب السردية المضادة لسرديات السلطات الفاعلة في المجتمع. 

تقوم بكتابة الدراسات النقدية والفكرية والمقالات بالإضافة إلى الروايات. كيف توفّق في الكتابة بين هذه الأنواع المختلفة من حيث الوقت والحالة الذهنية؟

بالمران، وتعدد الاهتمامات والقراءات. فغالباً ما أقرأ أكثر من كتاب واحد في الوقت نفسه. وأحياناً قد أكتب مقالة وأنا منغمس بكتابة رواية. تقلبات واقعنا تفرض علينا أحياناً أن نقول رأياً مباشراً، أو أن نحلل ظاهرة ما، أو حدثاً. أو نبدي رأياً ونتخذ موقفاً. وحين يكون عندي ما أقوله أذهب إلى المقالة والدراسة. كما أن من الكتب التي أقرؤها ما يحفِّزني على الكتابة النقدية عنها. وأتفرغ لإتمام دراسة حين أدعى إلى ندوة أو مؤتمر وأكلف بالحديث أو تقديم ورقة. وبالعودة إلى سير الكتّاب الكبار ومنجزهم، لاسيما منذ القرن التاسع عشر، نجد أن أغلبهم كانت لهم كتابات في حقول متعددة. فالذهن البشري يمتلك المرونة والقدرات الكافية ليخوض في أكثر من سبيل.

   شخصياً لا أحب التكرار. وأتجنب غالباً مماحكات الفيس بوك التي تشبه ثرثرات المقاهي والتي تسلب الجهد والوقت من غير فائدة تُذكر، غير أني أمنح الاهتمام والجهد الكافيين لكتاباتي كلها سواءً كانت رواية أو قصة أو مقالة أو عموداً صحافياً.

 

اقرأ مقتطفا من رواية "مقتل بائع الكتب" هنا:

قلت له: "أنت مثل أهل الكهف الذين استيقظوا في زمن آخر ستكتشف أن عملتك القديمة لم تعد لها أية قيمة. تجارة الكتب بائرة. من الجميل أن تفتح مكتبة هنا، ولكن لا تتوقع أن تربح شيئا. لم يقتنع. ما كان يصدّق أن الناس بعد أن أتبعتهم الحروب كفوا عن القراءة، ومن ثم ستجيء ظروف الحصار، ولن يعودوا إلى ارتياد المسارح والسينمات ومعارض الرسم. ويوما قلت له: "اعطني خبزا ومسرحا. لقد عز الخبز والناس بالكاد يحصلون عليه لذا من سيفكر بالمسرح والفن؟" اقترحت عليه أن يتفرغ لنفسه ويستأنف الرسم. لا بأس بمكتبة صغيرة لقضاء الوقت. قلت له: "الكاتب لا يحتاج إلا لقلم وأوراق وهذا لا يكلف شيئا كبيرا. أما الرسم فبحاجة إلى أموال لشراء الأصباغ والفرش والقماش والخشب وبقية الأدوات. وأنت استثمر بعض ما معك من مال في إنتاجك الفني." قال: "إذا لم يعد الناس بحاجة إلى الكتب فما حاجتهم للوحاتي؟" أفهمته بأن هناك شريحة ثريّة، تقتني اللوحات وتعلّقها في صالات منازلهم الفارهة، فضلا عن الأجانب الذين يزورون كاليريهات العاصمة ويقتنون اللوحات الجيدة مقابل أثمان معقولة. قال: "سأفكر بالأمر" لكنه لم يفعل. افتتح مكتبة كبيرة وخسر. أغلقها ونقل كتبه إلى سرداب بناية يملكها عمه. أعتقد أنك تعرف بقية القصة.