حوار مع نجوى بن شتوان المرشحة فى القائمة القصيرة

10/04/2017

أين كنتِ وقت الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة؟ وماذا كان رد فعلك؟

يوم إعلان القائمة القصيرة لم أغادر غرفتي في روما، كنت قلقة بعض الشيء لذلك فضلت عدم الخروج لمكان مثلما حدث في القائمة الطويلة حيث وجدتني محشورة في المترو وسط تلامذة مدارس يعودون من مظاهرة وبيدي رغيف خبز طويل كالسيف كان كل همي تلك اللحظة ألا يخرج نصفه من باب المترو وألا أخرج أنا من القائمة الطويلة، كان مشهداً هزلياً حقاً قررت عدم تكرر مثله في يوم القائمة القصيرة. 
كان الإعلان عن القائمة القصيرة مرتبكاً بعض الشيء، قال لي صديق نقلاً عن أصدقاء من الجزائز بأنني فيها، لكني تريثت حتى الإعلان الرسمي، فرحتي كانت كبيرة بترشح الرواية وبلوغها النهائيات، مكثت أرد على الأسئلة والتهنئة عبر الفيسبوك، ثم بعد الظهر خرجت للتمشي قرب نهر التيفر ولم أشعر بالرغبة في محادثة أحد.
ماذا يعنى لك ترشيح روايتك فى القائمة القصيرة؟

بلوغ القائمة القصيرة هو فوز وإن ظلت منه بقية للتتويج، فالأعمال ستحظى بنسبة قراءة أعلى واهتمام إعلامي وشعبي أكثر وستحظى بالترجمة وهو ما يعد في نظري انتقال إلى قاريء أخر وإلى ضفاف أخرى أنا بحاجة إليها، ستفتح مزيداً من الأفاق بلغات أخرى.. إنه بالمحصلة مكسب أدبي كبير.

ما هى الكتب التى تقرأيها الآن؟ ومن هم الكتاب الذين أثروا فيك كروائية؟

منذ شهر لا أقرأ كتباً عدا بعض المقالات المتنوعة في الصحف، ثم ركزت على ما يتعلق بأطروحتي للدكتوراه لأن مناقشتي كانت على الأبواب، وبالفعل ناقشتها في 27-03-2017.

لدي العديد من الكتب الإلكترونية على قائمة القراءة منها روايات الجائزة لهذا العام. سأتفرغ لقراءتها بعد ترتيب نفسي من جديد.

لا توجد أسماء محددة في الأدب أستطيع الإشارة إلى تأثيرها الخاص أو المباشر، أعتقد بأن كل كتاب قرأته ترك لدي انطباعاً بشكل أو بآخر حتى وإن لم أشعر بذلك، الأدب المترجم يجذبني أكثر، و إجمالاً أميل  إلى أدب أمريكا اللاتينية والأدب الروسي، وإن ضيقت المساحة أكثر بالنسبة لأدب أمريكا اللاتينية، سأختار ماركيز لقدرته على التخيل وغاليانو لقدرته على التوقع.

لماذا اخترتِ كتابة رواية عن العبودية فى ليبيا الآن؟ هل ترين رابطا بين موضوع الرواية والحاضر؟

الكتابة عن ليبيا شغفي المستمر، لم يخلو لي مقال أو قصة من الإشارة إليها، إنها ملهمتي وملتهمتي، غنية بالتفاصيل والأحداث رغم جهل الأخرين بها، أعمالي كلها تشكل فسيفساء ليبية عن ليبيا، ثم جاءت رواية "زرايب العبيد" لتكون الثيمة الأكبر، ربما توفرت للرواية ظروف خاصة لم تتوفر لأعمالي الأخرى وهي ما جعلت التساؤل عن تناول مسألة إنسانية في ليبيا سؤالاً دائماً.

العنصرية كانت ولا زالت ممارسة حياتية مستمرة، لم تغب من حياتي كإنسانة ولا ككاتبة ولا كمرأه، حتى عندما انتقلت للعيش في الغرب وجدتها حاضرة بشكل أخر.

لو لم أكتب عنها الآن سأكون قد كتبت عنها سابقاً أو لابد أن أكتب عنها لاحقاً، سيما وأن ليبيا بلاداً لم تخلص من استعمار إلا لتدخل في ديكتاتورية آخرى، والعنصرية تمايز طبقي وعرقي توفره مثل هذه الظروف الكبيرة عندما تحل بمكان ما.

العنصرية في تقديري أتت نتيجة تاريخية ونفسية للعبودية التي تأسس عليها العالم، لن يكون هناك عنصرية إذا كانت هناك عبودية صريحة، أما إذا منعت العبودية سيلجأ الإنسان للتعويض بممارسة العنصرية. الإنسان كائن شديد القسوة والتمييز.

قلتِ فى حوار سابق إنه لم توجد أي معلومات تاريخية أو مواد موثقة للانطلاق منها في كتابة هذه الرواية. كيف استطعت وصف تفاصيل الحياة في هذه الزرايب؟

زرايب العبيد كمكان قائم بذاته وتفاصيله لم يكتب عنه أحد، لم أجد مادة تاريخية تصفه وتسلط الضوء عليه بشكل واسع، عدا بعض الصور التي التقطها إيطاليون جابوا ليبيا، تلك الصور كانت مثار تخيلي وجدلي مع نفسي، بالإضافة إلى ماترويه الذاكرة الشعبية عن عبيد الزرايب، لقد توجهت لكبار السن ممن عاصروا الحي  قبل هدمه، ليصفوه لي، فاتفق الوصف على أنه مكان غير لائق بالبشر ولذلك أُطلق عليه تسمية الزرائب لأنه بالفعل كان زرائباً يفصلها عن بنغازي سور شاهدته هو أيضاً من خلال الصور. لم تكن زرايب العبيد مكاناً غريباً، كانت هناك أيضا داخل بنغازي زرائب أخرى في حي الكيش وهي تجمع للفقراء والعبيد يماثل زرايب العبيد وزرائب اللثامه.

ذهبت للمكان وعاينته في شكله الحاضر بعد أن صار جزءاً أساسياً من المدينة، ملتحماً بقلبها يابسةً وماءً، أوقفت سيارتي هناك ونزلت للشط وبدأت في تخيله كما كان منذ مائة عام على الأقل. لم يعد منه شيء عدا البحر و شذرات من الحكايا، ثم غادرت ليبيا أحمله في ذاكرتي وكتبته على الشاطيء الآخر للمتوسط.

قلتِ أيضاً فى حوار سابق إن الفترة التي عُدتِ لكتابة الرواية فيها كانت فترة حزينة وصعبة وإن أثناء الكتابة نفسها – نظراً لحزن الأحداث – كثيراً ما كنت تجدين نفسك تبكين وتحتاجين إلى الهروب منها. هل هذا تأثير الكتابة بشكل عام عليكِ؟ وهل الكتابة تشكل لكِ نوعا من العلاج؟

كانت سنة كتابة الرواية صعبة حقاً من جميع الجوانب، إضافة إلى ثقل الثيمة وحزنها، كنت أنا أيضاً مثقلة بالهموم وأمر بفترة حرجة في مغتربي، لم يعد بوسعي التهرب من كتابتها أكثر، من قتل بعض الشخصيات وحرق الزرايب، من إعادة تدوير الألم، كانت هذه المشاهد أكثر تأثيراً علي من سواها، لقد ماتوا حقيقة واختفوا من الوجود ثم أعدتهم أنا أدبياً إليه ثم قتلتهم من جديد! 

لم يعد مهماً الفصل بين حزنهم الذي كان وحزني الشخصي الكائن، لم يعد مهماً ما تفعله الكتابة، هل هي علاج للألم أم مسبب له؟  كنت أشعر كما لو أني هم وكما لو أنهم أنا وكما لو أن الرابط بيننا هي ليبيا المكلومة زمناً بعد آخر.

أنا كهم مجرد أرواح تعاني الوجود في هذا المكان المثخن بالجراح، في هذه الليبيا غريبة الأقدار ! 

 

اقرأ مقتطفا من رواية "زرايب العبيد" هنا:

ضربها بعض الجند بأخماص بنادقهم، وهدّدوها لتبتعد، فهي تعثر مهمتهم ضد الطاعون. يئس جوسيبي من الأمر، جرّني بعيداً وخبّأ وجهي في صدره كيلا أرى المزيد. صرت فعلاً يتيمة، فقدت جذري في الحياة في اللحظة التي عرفت وأنا أفقدها أنها كانت أمي طيلة العمر وليست عمتي، وأنها خبأت نفسها لتخبئني هروباً من الأذى وخوفاً عليّ من شرور الخلق. كانت أمي التي دخلت نيراناً كثيرةً من أجلي، ليس أخيرها أن تنقذ كاغد اعتراف أبي المعزّز بجرده، سترة الرجل وغطاؤه وشرفه. كانت أمي التي لم تسمح لها الأرض المشتعلة بالخروج حيةً والعودة إليَّ. كنت أبكي وأولول وجيوسبي يحضنني متأثراً بمصابي، مصدوماً مثلي بما قالته عيدة. قال لقائد البعثة الطبية إنه سيأخذني إلى الكروسة التي يركبها لأكون معه. 

صرخت كلمة "يام" للمرة الأولى في حياتي:"يام لا تتركيني، يام عودي، يام لا تذهبي".

يالتعاستي! ناديت ما أفقده في لحظة فقدانه، وجهلت ما أعرفه في لحظة إدراكه!

هل كان صُنعَ بشرٍ أم صُنعَ قدر؟